منوعات

بروناي تطبق الحدود الاسلامية العام القادم

بروناي تطبق الحدود الاسلامية العام القادمبندر سري بيجاوان (رويترز) - أعلن السلطان حسن البلقية سلطان بروناي يوم الثلاثاء ان مملكته ستطبق الحدود الاسلامية اعتبارا من أبريل نيسان القادم.
والسلطة في بروناي مركزة في يد السلطان ولا تجرى في البلاد اي انتخابات.
وقال السلطان الذي يشغل أيضا منصب رئيس الوزراء 'وضع لنا الله القدير بكل كرمه القوانين التي تلبي احتياجاتنا حتى يمكن ان نحقق بها العدالة.'
والمملكة الصغيرة التي تتمتع بأعلى دخل للفرد في جنوب شرق اسيا بعد سنغافورة كانت تعد لتطبيق الشريعة منذ سنوات. وقال السلطان من قبل انه يجب تطبيق أحكام الشريعة وإعطاؤها دورا أكبر الى جانب القانون المدني.
وتطبق بروناي التي يزيد عدد سكانها عن 400 الف نسمة بقليل التعاليم الاسلامية بشكل أكثر تشددا من ماليزيا واندونيسيا وهما الدولتان اللتان تعيش فيهما ايضا أغلبية مسلمة في جنوب شرق اسيا.
وتحظر بروناي بيع الخمور كما تحظر أيضا عمليات التبشير لديانات أخرى.
وقال سلطان بروناي ان سياسة الحكومة بشكل عام لن تتأثر بهذا التغيير في إشارة لطمأنة المستثمرين الاجانب.
























أسئلة معالي مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عن مركز الملك عبدالله العالمي للحوار بين أتباع الديانات

أرسل إلى صديقطباعةPDF
nadwahس1: تتحقق اليوم مبادرة خادم الحرمين الشريفين بإنشاء مركز الملك عبدالله للحوار بين أتباع الأديان والثقافات, كيف تنظر إلى الأهداف الاستراتيجية لهذا الصرح العالمي؟
هذه اللغة الحضارية هي أبزر منجزات خادم الحرمين الشريفين -أيده الله- وأهم مبادراته التي أطلقها لحوار الحضارات ينطلق فيها من رؤية شرعية,
وتحوي دلالات عظيمة, وتعد مرتكزًا أساسيًا لفهم عالمية الإسلام, والتشرف بحمل هدايته إلى أقطار الدنيا, وتعكس من زاوية أخرى شخصية مليكنا المفدى -أيده الله-, وما حباه الله به من خلال, وما جبله عليه من خصال, استحق بسببها أن يختار -وهو جدير بهذا الاختيار- ضمن أبرز الشخصيات وأعظمها تأثيرًا في واقع اليوم, فهي تعكس شخصية فذّة تمتلك حسًّا إنسانيًا رفيعًا, وحكمةً بلغت غايتها, وعقلاً راجحًا يتعالى على كل المؤثرات, وروحًا إسلامية عالية, وهمًا تجاه أمة الإسلام ، بل تجاه أمم الأرض جميعا، وهذه السمات أثمرت المبادرات المباركة التي صارت محور العمل في المجال الإقليمي والدولي, وهذا من توفيق الله لهذا الملك الإنسان, ومن الخير الذي يكتبه الله على يديه.
والحق أن هذه المبادرات الملكية مبادرات حية, وإنجازات عظيمة, وشواهد ناصعة, بدأت من مكة المكرمة, وتوجت بموافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على دعوته -أيده الله- للجمعية لعقد اجتماع عالي المستوى للحوار بين أتباع الديانات, وفقًا لما تضمنه إعلان مدريد الصادر عن المؤتمر العالمي للحوار بين أتباع الرسالات الإلهية والثقافات الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي في مدريد في الفترة من 13-15/7/1429هـ.
وتوالت جهوده -أيده الله- في هذا المجال الذي نحن بأمس الحاجة إليه, في عالم مليء بالنزاعات والفتن والصراعات ،وفي ظل تنامي صورة العنف والتطرف والإرهاب،وضعف صوت العقل لتبرز تلك المبادرات الرائدة لملك الإنسانية خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله وأيده- ولذا يحق لنا أن نقول: إن حوار الحضارات الذي نعيش شيئًا من آثاره ونتائجه أساسه مبادرات رجل السلام الأول, وقائد التعايش والمحبة, خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله-, فهذا العمل الإسلامي المبارك يمكننا أن نجزم بأنه من أعمال التجديد التي تضاف إلى سجل أعمال خادم الحرمين الشريفين, وإذا استشرفنا في هذا العمل دلالات قول النبي: ((إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا)), فإننا نجدها ماثلة للعيان, تظهرها الصور القاتمة التي مرت ولا تزال, حتى جني على الإسلام باسم الإسلام, وحمل زورًا أفعال مشينة لا تمثل قيم الإسلام ولا عدالته ولا روحه, وفي مقدمتها أفعال التطرف التي شوهت صورة الإسلام ومجتمعات المسلمين, وأبرزت ظاهرة ما يسمى بالإسلام فوبيا التي طرحت في مجتمعات مختلفة, بل عززت أطروحات الصدام, وصراع الحضارات, فتأتي هذه المبادرة لتقرب المسافات, وتختصر الطرق, وتكسر الحواجز الوهمية التي سببها الفهم الخاطئ للإسلام, وتجاوز هذا الجهد التنظير والتأطير والزخم الإعلامي إلى رؤى مؤسسية, وخطط استراتيجية, يتم من خلالها بناء هذه الأفكار وترجمتها إلى منظومة متكاملة تصب في مسارين رئيسين, أولهما: المعالجات الآنية, التي يتم فيها تجسير الهوة, وتقريب المسافة, وكشف الشبهة, وتقديم الصورة المثالية للإسلام, واعتماد الاستقراء والتتبع لكل ما يعوق هذه المسيرة ليتم تجاوزها بالأساليب العلمية, والحوارات المقنعة, والتعاون المثمر البناء, والتواصل المنتج للأهداف, ويأتي في مقدمة تلك العوائق الأفكار المتطرفة, والتصرفات الطائشة, والأعمال الإرهابية التي لا يمكن نسبتها للإسلام, ولا تمثل واقع السواد الأعظم من المسلمين, بل أفعال مشينة منكرة شاذة لا يقرها شرع, ولا يقبلها عقل, ولا يحتملها دليل.
أما المسار الثاني فهو التركيز على المستقبل البعيد بمسؤوليات متنوعة تستهدف الناشئة في أهدافها القريبة والبعيدة لتعتمد النظرة الوسطية, والخصائص العظمى في الإسلام من السماحة واليسر ورفع الحرج, والتعايش والتواصل والتعاون وغيرها من القيم في أساليب التربية والتنشئة, وتمثل غرسًا قيميًا يبني الأجيال القادمة بعيدًا عن مؤثرات الإقصاء والتمييز العنصري أو الطائفي أو المذهبي, ويأتي في هذا الإطار العملي إنشاء مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في العاصمة النمساوية فيينا, ويسعى المركز في فيينا الذي افتتح يوم الاثنين 12/1/1434هـ, الموافق 26/نوفمبر/2012م إلى تحقيق هذه الرؤية الملكية من هذا الملك الفذّ, وقد وضعت له أهداف استراتيجية, وأبعاد عالمية, تهدف إلى نشر قيم التسامح والمحبة والأمن والسلام والتعايش، من خلال ثلاثة محاور، هي: احترام الاختلاف من خلال الحوار، وتأسيس قواسم مشتركة بين مختلف الجماعات، وتحقيق المشاركة الدينية والحضارية والمدنية بين القيادات الدينية والسياسية, وهي أبعاد استراتيجية تحقق أهدافًا قريبة وبعيدة المدى, تصب في خدمة الدين الإسلامي بتقديمه بصورته المثالية التي تعتمد قيمًا متنوعة متعددة يمكن من خلالها تحقيق السلم والسلام والتعايش والتواصل, وتنأى عن الصراع والصدام الذي يعد طارئًا في أي بيئة, وفي كل الأديان والثقافات.
وتتضح الأبعاد الاستراتيجية حينما يدرك المتأمل قوة التحديات التي نواجهها في عصرنا الحاضر, فهناك الفتن والانقسامات التي فرضت واقعًا متأججًا في البيئة الإسلامية, وهناك لغة الصدام والصراع التي مررت تحت غطاء فكري وأيدلوجي يجر الأمم إلى هاوية المواجهات المدمرة, يذكيها فئام وجماعات لم تراع المصالح العليا, ومقاصد الشرع في هذه الجوانب المهمة, وهناك غيرها مما يشكل عوائق وحواجز, وفي مقابل ذلك إظهار الصورة المشرقة, والمبادئ الحقة, والخصائص والسمات المتميزة, والفهم العميق لأحكام الإسلام ومبادئه وقواعده ومقاصده ومثله وقيمه, وتنقيتها مما حلمت وألبست زورًا وبهتانًا, وكل ذلك يؤسس لمستقبل واعدٍ, وغد مشرق, وأمل كبير تتعلق به الأمم وشعوب الأرض, يرتكز على حوار مؤطر منضبط يمكن من النجاح في التعامل مع الخلاف والجماعات, ويحقق التعاون والتكامل الذي أمر الله به في مقابل مثيرات النقمة, فقال: {ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى}, يقول ابن كثير رحمه الله: "أي: لا يحملنكم بغض قوم قد كانوا صدوكم عن الوصول إلى المسجد الحرام، وذلك عام الحديبية، على أن تعتدوا في حكم الله فيكم فتقتصوا منهم ظلمًا وعدوانًا، بل احكموا بما أمركم الله به من العدل في كل أحد", وبذلك يقف سدًا منيعًا أمام المخاطر المهددة للبشرية والعالم, من خلال حلول وبدائل واقعية صالحة مصلحة لكل زمان ومكان وأمة, فالحمد لله الذي هدى مليكنا المفدى وإمامنا المسدد لمثل هذه الرؤى الاستراتيجية, ونسأله سبحانه أن يحقق أحلام الأمم في ظل هذه المبادرات الموفقة.
س2: ما رؤيتك لصيغة الحوار بين أتباع الأديان والثقافات؟ وهل تحقق الطموحات البشرية في التعاون والاحترام المتبادل بين الديانات والرموز الدينية والثقافات؟
الحق أننا حين نتأمل في صيغة الحوار في ظل هذه المبادرات الملكية نجد أنها شواهد لحكمة المليك, ودلالات على التوفيق, فهذه المبادرات التي انطلقت لجمع الكلمة ونشر الوعي, وترسيخ قيم الإسلام ومبادئه, وتجاوز عالم الصراعات والخلافات فيها من الشمولية التي مثلت مبادئ الإسلام, فالخلاف المذهبي والطائفي صادف مبادرة رائدة أعلنت في القمة الاستثنائية في مكة المكرمة في رمضان الماضي تمثلت في مقترح خادم الحرمين الشريفين بإنشاء مركز للحوار المذهبي مقره الرياض, يهدف هذا المقترح إلى تجاوز الخلافات الداخلية, والوصول إلى كلمة سواء قوامها التفاهم والاحترام المتبادل وحفظ الحقوق, فإذا ما أضيف هذا إلى المبادرة الأم التي أعلنها سابقًا خادم الحرمين الشريفين تكاملت الصورة وتسلسلت الأهداف لتبدأ قاعدة الحوار بالأخص, وتنطلق إلى الأعم, وتضيق في مجتمع النخب, ثم تتسع لتشمل الشعوب وتعتمد المشترك لتتعامل مع المختلف, وتتدرج من الأسهل لتصل إلى الأعمق الأكثر تعقيدًا, وتتوالى الحلقات في صيغ يؤطرها الحكمة, ويزينها الرشاد, وتظللها المبادئ الشرعية, وجهد هذا شأنه لا يشكك ولا يزايد على أنه يحقق الطموحات؛ لأنه تجسد في عصور المسلمين, بل في عهد إمام المتقين, وسيد الخلق أجمعين, الذي اجتمع في زمنه في العهد المدني الصحابة من مهاجرين وأنصار –رضي الله عنهم-, وفي مقابلهم وإزائهم المنافقون, واليهود, وتشكل هذا المجتمع من أطياف متعددة, وقبائل متنوعة, ومع ذلك كان القدوة والأسوة رسول الله صلى الله عليه وسلم يهتدي بالوحي, ويتعامل مع الجميع بالخلق العظيم الذي هو مجموع قيم هذا الدين, ليأسر القلوب, وتجتمع الأمم عليه, ويمتن الله عليه بقوله: {وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألفت بينهم}, يقول الطبري: "يريد - جل ثناؤه - بقوله: {وألف بين قلوبهم}، وجمع بين قلوب المؤمنين من الأوس والخزرج، بعد التفرق والتشتت على دينه الحق، فصيرهم به جميعًا بعد أن كانوا أشتاتًا، وإخوانًا بعد أن كانوا أعداء", هذا على مستوى المسلمين, ولكن ذلك لم يمنع من التعايش والتواصل مع الآخرين الذين كانوا ضمن مكونات المدينة.
س3:في رأيك: كيف يمكن أن يصبح مركز الملك عبدالله للحوار فاعلاً دوليًا على مستوى المنظمات الدولية, لاسيما في الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي والأفريقي والمنظمات الدولية الأخرى؟
هذا المركز العالمي توافرت فيه مقومات العالمية والريادة التي تحقق فاعليته بل أعلى درجات التأثير العالمي, فمن أطلق مبادرة الحوار, ومن دعمها ورعاها ونماها شخصية فذّة تملك الحكمة التي هي الأساس في تحقيق التوازن والتفاعل في السياسات والمواقف والتصرفات, وهي مبدأ الخيرية والبركة التي تؤثر في الواقع, فالله جل وعلا في كتابه يقول وقوله الحق: {يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا وما يذّكر إلا أولو الألباب}, فبين الله جل وعلا أن هذه السمة المهمة يؤتاها من يصطفيه الله ويختاره, وهي هبة يمتن الله بها على من يشاء من عباده ليكون أثرها يمتد إلى الأمة بل الأمم, والملحظ في الآية أن الله سبحانه ختم الآية بما يدل على أن آثار هذه الحكمة يدركها أولو الألباب ويتذكرون بها, وحينما نتأمل مواقف إمامنا ومليكنا خادم الحرمين الشريفين سواء في الإطار المحلي أو على المستوى الإقليمي والدولي, وكذلك مبادراته ومنجزاته يقف على صور الحكمة في تصرفاته, ولا أدل على ذلك من مواقفه من حوادث التطرف والإرهاب التي يسجل له التأريخ مواقف انتهجت غاية الحكمة, واتجهت إلى صورة التطرف بالمعالجة الأمنية التي تحسم مادته, وتوقف آثاره وتداعياته, ويحصن الوطن من دعاته ومنظريه, واتجهت إلى أصول التطرف والإرهاب الفكرية والسياسية وغيرها بالمعالجات الفكرية التي تحقق منظومة الأمن الفكري, وتستهدف البنى التحتية لهذا الفكر بما يحقق التراجع والانحسار, ويجفف المنابع, ويوجد البدائل التي تعمق آثار المعالجة في المدى المستقبلي البعيد, وتتابعت هذه الجهود حتى غدت تجربة عالمية, تتوالى الوفود المتتالية للإفادة منها في صور التطرف النظيرة في تلك البلاد، ويمتلك خادم الحرمين الشريفين قوة الشخصية المؤثرة في الالتفاف ووحدة الصف وجمع الكلمة، ويزين ذلك كله ويجعله واقعًا مؤثرًا شعور بالمسؤولية الكاملة, وتحمل للأمانة, وصدق في المواقف, ونصح لعباد الله, مما مكنه من ضبط زمام المبادرة, وشخصية تؤطر مبادراتها ومنجزاتها هذه السمات والخصائص هي جديرة بالتوفيق والقبول والتسديد والأثر الذي يكتبه الله على يديه, فمن صدق الله صدقه الله, وسدده ووفقه, {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم}, {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم}.
هذه المؤثرات بالنظر إلى راعي المركز وداعمه وراعيه, أما من حيث النظر إلى الأطر التي تعد منهجية العمل في المركز فهي في أساسها وأصولها وقواعدها ومقاصدها أطر شرعية, تنطلق من الفهم الوسطي لنصوص هذه الشريغة الغراء, وقواعدها, وعمل يعتمد الأسس الشرعية, ويهدف إلى تحقيق مقاصد الشريعة ويثمر الدعوة إليها ونشر هدايتها ورحمتها لاشك أنه ناجح بكل المقاييس, وما سعدت البشرية إلا حينما أخذت بهذه الشريعة وجعلتها منهاج الحياة, لأنها شريعة رب العالمين, العليم اللطيف الخبير, الذي يعلم ما يصلح العباد في عاجل أمرهم وآجله, {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير}, {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِين* إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون}.
ومن حيث منطلق هذه المبادرة لإنشاء هذا المركز العالمي فهي مبادرة من بلد الإسلام, ومأرز الإيمان, وموطن الأمن والإيمان, أقدس بقاع الأرض, وعرصاته التي اختارها لتكون مهوى الأفئدة, وتجمع المسلمين من كل أنحاء العالم يفدون إليها {من كل فج عميق*ليشهدوا منافع لهم}, ويجد كل مسلم فوق كل أرض وتحت كل سماء هوى في قلبه, وحنينًا في فؤاده إلى هذه الأرض المباركة, فالمركز الذي ينطلق من ولاة أمر هذه الأرض, وتدعمه قيادتها, ويحمل رؤيتها ورسالتها بل وهويتها له من الخصوصية ما يجعل أثره متحققًا بإذن الله, يقال ذلك لا فألاً فحسب, بل كما ذكرت أن هذه العوامل يؤمل منها بإذن الله أن تتجاوز المبادرة أحاديث الأقوال إلى أحاديث الأفعال, وأن يستهدف المركز في أبعاده وخططه الإستراتيجية عوامل الخلاف, ومناطات الحكم فيها, ويكون مبنيًا على فهم منهج التفكير بين الأطراف المستهدفة, فيكون له أثره البالغ, لاسيما أنه انطلق من بيئة الغرب التي يدين غالبيتها بديانة النصرانية, وهي ديانة ذكر الله عنها وعن أهلها أنهم أقرب مودة إلى الإسلام وأهله, {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُون}.
وهذه النجاحات المتوقعة على كافة المستويات, سواء المنظمات والهيئات والجمعيات أم كذلك الأفراد, ومسؤوليتنا وقد شرفنا بالانتماء إلى هذا الوطن العزيز أن نستشعر مسؤوليتنا تجاه هذه الجهود الموفقة, وأن نعد أنفسنا جزءًا فيها باعتبار أننا طرف في هذا الحوار, وأن نلهج بالدعاء إلى الله أن يكللها بالتوفيق والنجاح.
س4: هل يمكن أن يغير المركز الصورة النمطية السلبية للثقافة الإسلامية لدى الغرب؟ وهل يمكن أن تتراجع ظاهرة الإسلام –فوبيا؟
للأسف أن صورة الإسلام شوهت في نظر الكثيرين, وأصبحت تتضمن كثيرًا من معاني الكره والبغضاء لهذا الدين القويم, بسبب بعض التصرفات الشاذة التي صدرت والإسلام منها براء, وصاحب ذلك تقصير من الآخر في الوقوف على حقيقة هذا الدين, ومعرفة روحه ومضامينه حيث توالت عليه أعمال طرفي النقيض: الغلو والجفاء, وأصبحت تصرفات أهل الغلو والتطرف والغدر والإرهاب تشويهًا لصورة الإسلام في أوساط غير المسلمين, بل صار هناك ربط بين أحكام الإسلام ومبادئه وبين تصرفات أولئك المنحرفين المتطرفين, ووصل الحد إلى درجة أن مجرد الانتساب إلى الإسلام يثير الفزع والرعب لدى غير المسلمين, وفرضت هذه الصورة المقيتة نفسها بجهود ممن يرون مصلحتهم في ذلك, وهم أصحاب نظريات الصدام والصراع والعنف, وساعدهم على ذلك بعض أبناء المسلمين, وأصبح هذا الشأن فرصة لأولئك يتم التركيز عليها في مناسبات مختلفة سيما تلك التي يحصل فيها من صور الإرهاب ما يمكنهم من استغلالها, وهذا شأن توجهت البحوث والدراسات والجهود الرسمية وغيرها لتنقية الإسلام منه, وإثبات براءة الإسلام من تصرفات أهل الغدر والغلو, إلا أن الطرف الآخر لم يهدأ لهم بال, فصاروا يؤججون هذه الفتن, ويقابلون تلكم الجهود المباركة بالتشكيك والنقد, فجاءت هذه المبادرة التجديدية بإنشاء هذا المركز العالمي من خادم الحرمين الشريفين لتعيد أمجاد المسلمين, وتقدم هذه الحضارة العريقة بصورتها النقية الناصعة, المثالية للتطبيق في العالم أجمع, وليحمل هذا العمل أبعاد الفكر المؤسسي, والعمل الإصلاحي, والتخطيط الاستراتيجي, وأعتقد جازمًا أن المركز بما توافر له من أسباب وفرص ومقومات النجاح قادر على تغيير هذه الصورة النمطية والتعاطي مع المتغيرات التي يمر بها العالم أجمع, واستثمارها لتخفيف حدة الصراع, وإثبات قوة الأصول والمبادئ والثوابت وأثرها في عكس الواقع, وإبراز ما يقابلها من نمط التسامح والتعايش والتواصل, والتعاون على البر والتقوى, فالحمد لله الذي سدد خادم الحرمين الشريفين بمثل هذه الأعمال الجليلة, التي نحتسبها زاده إلى رضوان الله وجنته.
س5: يسعى المركز إلى استثمار القواسم الثقافية والحضارية المشتركة بين الشعوب.. كيف يمكن ذلك, وما هي أبرز هذه القواسم المشتركة في رأيك؟
الحق أن هذا المركز يعد لغة حضارية عالمية, وهو من أبزر منجزات خادم الحرمين الشريفين -أيده الله- وأهم مبادراته التي أطلقها لحوار الحضارات، وتعد مرتكزًا أساسيًا لفهم عالمية الإسلام, والتشرف بحمل هدايته إلى أقطار الدنيا, واعتماد المشترك الإنساني للتعامل مع المختلف الحضاري, ومن هنا فإن وجوده في هذا الوقت يعد منجزًا رائعًا, وجهدًا مباركًا, وعملاً جبارًا, ينظر إليه الجميع نظرة أمل وتفاؤل, ينطلقون منه إلى أفق بعيد تتعلق به آمال الشعوب الإنسانية لتتجنب الصراعات والعنف والدموية، والمظاهر التي استهدفت الحضارات, وأضاعت الفرص, فالمركز فيما رسم لجهوده المستقبلية ومشاريعه ومناسباته وفعالياته يعتمد أبعادًا متنوعة تعد من القواسم المشتركة, أبرزها ما هو هدف خادم الحرمين الشريفين من المبادرة والمركز, إنه البعد العالمي الإنساني, الذي دعا فيه - حفظه الله - إلى تجاوز الخلافات, وتقريب المسافات مع العالم أجمع, وذلك بدعوته -أيده الله- في أكثر من مناسبة إلى حوار الحضارات, والتقارب بين الثقافات، على أساس من القيم المشتركة التي ذكرها خادم الحرمين الشريفين -سدد الله قوله- في أكثر من مناسبة, فقد قال في كلمته السامية أمام وفود الحجيج: «أيها الأخوة الكرام: إن الأديان السماوية الكبرى, وما أُنْزِل على سيدنا إبراهيم من حنيفية سمحة تجتمع على مبادئ كبرى, وتشترك في قيم عظيمة تشكل في مجموعها مفهوم الإنسانية, وتميز الإنسان عن غيره من المخلوقات مبادئ الصدق والأمانة والتسامح والتكافل والمساواة وكرامة الإنسان, والحرص على أساس كل مجتمع, ألا وهي: الأسرة».
فهذه المبادئ الكبرى, والقيم الأساسية تعد اللبنة الأساسية في حوار أتباع الديانات والثقافات, وهي مما اتفقت عليه الشرائع السماوية, ودعت إليه, فاعتمادها أساسًا للحوار ومنطلقًا له يعد نجاحًا في تقريب المسافات, فما ورد في خطاب خادم الحرمين الشريفين -أيده الله- إجابة شافية, ورؤية متوازنة, ونظرة ثاقبة, ودعوة من قيادة بلد السلام إلى العالم أجمع, أنه مهما توسعت الهوة, وقوي الخلاف والاختلاف, وساد منطلق القوة, فإن في القيم المشتركة, وفي أصول الأديان من عالمية القيم, وعالمية المثل, وعالمية الفطرة, وعالمية النظام الاجتماعي ما يمكن من التغلب على الصعوبات والمشاق, ويجمع القلوب المتنافرة, وفهم هذه القيم يؤدي إلى تكوين رؤية سليمة لتعقيدات الواقع الدولي, والأطر الدينية فيها من المرونة والشمولية والصلاحية لاستيعاب تلك الظواهر المتباينة في واقع علاقات الدول.
والحق أن ما دعا إليه خادم الحرمين الشريفين يعد أساسًا لمعالجة الواقع الدولي بصورة مثالية للتطبيق, تحفظ الحقوق, وتبني الحضارات, وتؤسس لعلاقات متوازنة يسودها الأمن والأمان والسلام والاطمئنان, من خلال الحوار والإفادة من النماذج الحديثة التي لها أثر في بلورة مفاهيم العلاقات وصياغة معالمها مثل المؤتمرات الدولية, واللقاءات العلمية, والتبادل الثقافي, والوفود البرلمانية وغيرها, وهذا ما دأبت عليه المملكة في المحافل الدولية, ودعت إليه وسعت, وليس الأمر مقتصرًا على الجهد السياسي المبذول من خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- في هذا الشأن بل حتى على المستوى العلمي والتعليمي والبحثي والأكاديمي, الذي ينطلق من هذا المركز العالمي, ويعد من مفردات خططه, فإن أي عمل لا بد أن يؤسس على البحث والاستقراء, واستخلاص النتائج ليكون عملاً مؤسسيًا يتجاوز التجارب, بل يمكن تطوير الأعمال البحثية لتكون أداة للتفاعل والتواصل, ومقدمة للحوار الذي يخدم كل مجالات العلم والعمل, ولذلك فإن الحوار كوسيلة مثلى شأن عظيم, يقرب المسافات, ويختصر الطرق, ويفعل في النفوس ما لا تفعله الأسلحة العسكرية, لأنه يعتمد أسلوب الإقناع العقلي, وإثارة الدافع للقبول, والحاجة في ظل الظروف الآنفة ماسة لمثل هذا الأسلوب الذي دعا إليه خادم الحرمين الشريفين في العلاقة مع الآخر, بل وحتى في تصحيح المفاهيم, وتنقية الإسلام مما علق به من شبه وبدع وخرافات, فالحمد لله الذي سدد خادم الحرمين الشريفين ووفقه لهذا العمل الصالح الرشيد, ونسأل أن يحفظه ذخرًا لإسلام والمسلمين, وأن يلبسه لباس الصحة والعافية والتقوى, وأن يديم عليه نعمه الظاهرة والباطنة, وأشكركم على إتاحة الفرصة لهذا الحوار الذي أسهم فيه لما يجب عليّ تجاه هذا الرجل الإنسان الذي قادنا إلى مواطن الريادة والعالمية.


رحلة الثقافة والتدريس من أندونيسيا الى مصر

Print Friendly
رحلة الثقافة والتدريس من أندونيسيا الى مصر
علي أحمد باكثير.. مجهولية المبدع المعروف
فريد أمعضشـو
إن العديد منا، في الواقع، لا يعرفون شيئاً كثيراً عن علي أحمد باكثير وأدبه الغزير، على الرغم من أنه كان، فعلاً، أحدَ عمالقة أدبنا الحديث الذي تُسجَّل له الريادة في عدة مجالات أدبية. لذا، فالحاجة ماسّة، الآن، إلى التعريف بالراحل وبإنتاجه الفكري، بعد كل هذه العقود الطويلة من الجَهْل به تُرى فمَنْ هو الرجل؟ إنه علي بن أحمد بن محمد باكثير، وُلد يوم 21 دجنبر 1910، بمدينة سورابايا الأندونيسية، من أبوين عربييْن قَدِما إلى هذه المنطقة النائية من حضرموت اليمَنية، وينتهي نسب أسرته إلى قبيلة كِندة التي افتخر بانتمائه إليها في شعره؛ كما في جيميته لمنهاج امرئ القيس . وقد تعلم في مسقط رأسه مبادئ العربية والحساب، وحفظ نصيباً من القرآن الكريم، ودرس بعض أصول علوم الشريعة، على غرار ما كان يفعله الحضارمة في أندونيسيا مع صغارهم. وحين بلغ العاشرة من عمره، تقريباً، انتقل به أبوه الشيخ أحمد بن محمد باكثير ت1925م الذي كان أستاذه الأول إلى بلده الأصلي ليتعلم العربية النقية من الهُجنة واللُّكنة، وليتفقَّه في الدين وعلومه، وليتربّى على عادات بلده الأصيلة، وليتلقى العلم من أفواه جملة من المشايخ والعلماء الأجلاّء، في اليمن، في عدد من حقول المعرفة؛ وعلى رأسهم عمّه القاضي الشيخ محمد بن محمد باكثير ت1936م الذي ألف كتاباً ترجم فيه لإحدى الأسر اليمنية العريقة في العلم والأدب والفضل، هي أسرة آل باكثير، سمّاه البنان المُشير إلى علماء وفضلاء آل أبي كثير حققه عبد الله بن محمد الحبشي .
ولما تأسّست أول مدرسة في سيئون1، بحضرموت، حيث استقر بعد مجيئه من سورابايا، التحق بها، وتتلمذ فيها إلى حدود سنة 1342هـ، وقرأ عدداً من أمّات كتب الفقه والأدب واللغة وعلوم الدين؛ بحيث درس جملة من الكتب الأصول في المذهب الشافعي، الذي كان سائداً يومئذٍ في حضرموت، ومن المؤلفات الأدبية واللغوية، وفي مقدمتها كتب ابن هشام الأنصاري المُغني اللبيب قطر الندى شذور الذهب ، و ملحة الإعراب وشرحها للحريري، و الكامل للمبرّد، وأمالي المرتضى، و الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني، و وفيات الأعيان لابن خِلِّكان، و العقد الفريد لابن عبد ربه القرطبي. وحفظ، إلى جانب كثير من أحزاب القرآن الكريم، عدداً من المتون العلمية؛ من مثل ألفية ابن مالك الأندلسي في النحو والصرف، و جوهرة التوحيد لبرهان الدين إبراهيم اللقاني، و الزبد لأحمد بن حسين بن رسلان في الفقه الشافعي. كما حفظ كَمّية مهمّة من الأشعار، ولاسيما من شعر أبي الطيب المتنبي الذي كان يعْجب به كثيراً حتى كاد أن يحفظ ديوانه عن ظهر قلب. وكان باكثير متفوقاً في دراسته، معدوداً ضمن صِفوة طلاب مدرسة النهضة العلمية، وظهر نبوغه في الأدب منذ سنّ مبكرة؛ بحيث قال عنه عمُّه صاحبُ البنان المشير ، في سياق تَعْداده أبناء أخيه أحمد … الولد الثالث علي بن أحمد نبيل نبيه ذو فهم جيد بارع، خرج به أبوه من جَاوَه وهو دون البلوغ، قرأ القرآن وحفظ منه ما شاء الله وصار من أهل القسم الأعْلى من المدرسة المُسَمّاة النهضة العلمية ، وترقى فيها، وعُدَّ نبيهاً، وحفظ المتون؛ مثل الألفية والزبد والجوهرة وغيرها من متون التجويد. كما حفظ اللامية لابن مالك، وقرأ في شرحها على عمه جميع هذه الكتب، وحضر الدروس، وهُرع إلى القاموس، وحفظ من اللغة كثيراً ومن الأشعار أكثر، وقال الشعر، وخطب الخُطب… 2
وعقيب تخرُّجه من هذه المدرسة، اشتغل مدرِّساً فيها، قبل أن يتولى إدارتها وهو دون سن العشرين. وطَوالَ فترة وجوده على رأس هذه المؤسسة، حاول أن يطوّر طريقة التعليم، ويُصلِح نظام التدريس فيها، وفي غيرها من مدارس اليمن إبّانئذٍ، بالدعوة إلى اعتماد أساليب أخرى، ووضْع برامج جديدة تكون أجْدى وأنجع. وهكذا، فقد نادى بانتهاج طرق حديثة في التعليم تركز على الفهم والاستيعاب لا على الحفظ وحشو أدمغة المتعلمين بالمعارف حتى إذا طُلب إليهم توظيفها، أو إذا وُضعوا في وضعيات أخرى، عجزوا عن التعامل معها وحلّها. ويظهر لقارئ أشعاره مدى تركيزه على إصلاح التعليم؛ لأنه كان يدرك، يقيناً، أن ذلك هو المدخل الطبيعي للنهوض والتقدم. وبالمقابل، استهجن الاستمرار في الأخذ بأساليب التدريس العتيقة، ونادى بضرورة ترْك الجُمود، ودعا إلى تكوين جيل جديد من الطلاب يكون سلاحُه العلم، ويكون قادراً على استيعاب ما يقرؤه، واستثماره عملياً، وتكون له كفاية التحليل والتركيب والتقويم المؤسَّس على معطيات ومنطلقات ثابتة. وعارَض الاقتصار، في التعليم، على البنين دون البنات، مؤكداً أن نهضة أي أمة تُبنى برجالها ونسائها معاً. وقد صرّف كثيراً من هذه الأفكار، ومرّرها إلى الناس، عبر مجلة شهرية أصدرها، عام 1930، باسم التهذيب ، وكانت رسالتها تربوية إصلاحية بالأساس، إلا أنها لم تعمِّرْ طويلاً3. ولا شك في أن باكثير، في دعواته الإصلاحية، كان متأثراً بأعلام السلفية في الوطن العربي سواء ممّن جايلهم أو سبقوه. فقد تأثر بشخصيتي المُصلحين جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، وقرأ كتب ابن تيمية وابن القيم قبل ذلك، وراسَل محمد رشيد رضا ومحب الدين الخطيب وشكيب أرسلان أيام إقامته في جني . ولم يكن باكثير منغلقاً على ذاته الأصيلة، ومتوقفاً عند الحدود التي رسمها الأسلاف فقط، غافلاً عمّا يجري في واقعه وعمّا لدى الآخر، بل إنه كان، كما يقول محمد أبو بكر حميد، مصلحاً سلفياً تنويرياً منفتحاً على عصره وعلى غيره، جامعاً بين الأصالة والمعاصرة؛ لأنه كان يرى أن ذلك هو أقوَمُ طريق للنهوض والنماء4.
المسرح الشعري
وخلال مقامه بحضرموت، تزوج باكثير، وهو صغير السن، ولكنه فُجع بوفاة زوجته في بداية شبابها، بعد مدة قصيرة من زواجهما. وقد تأثر بهذا الحادث الأليم أيما تأثر؛ فكتب فيها قصائد عدة، وأهدى إلى روحها أول مسرحيةٍ ألّفها. وبعد ذلك، غادر حضرموت صوبَ عدن عام 1931، التي لم يمكث فيها طويلاً حتى انتقل إلى الصومال والحبشة، قبل أن يتجه إلى الحجاز التي استقر فيها زمناً أتيحَ له خلاله أن يَنظِم منظومته الموسومة بـ نظام البردة أو ذكرى الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويؤلفَ أول عمل له في المسرح الشعري، طبعه لدى قدومه إلى مصر بعنوان همام أو في عاصمة الأحقاف ، وحين أعاد طبْعه بعدن، عام 1967، أجْرى بعضَ التعديل على عنوانه، فطبعه، ثانيةً، بعنوان همام أو في بلاد الأحقاف ، وضَمَّنَه عدداً من أفكاره الإصلاحية التي تكوّنت لديه طوال إقامته في حضرموت. وقد عَدَّ عبد الحكيم الزبيدي هذه المسرحية أول مسرحية شعرية اجتماعية عربية5، وقبلها كان يغلب على المسرح الشعري العربي الطابع التاريخي سواء في أحداثه أو موضوعاته أو شخصياته. وهي مؤلفة عام 1933، بعد تأثر باكثير بمسرحيات أحمد شوقي الشعرية. وتجدُر الإشارة إلى أن أديبنا كان من المتأثرين كثيراً بشوقي، ويمكن للقارئ أن يلمَس ذلك، بوضوح، لدى قراءته أشعارَه التي يتناصّ فيها، كثيراً، مع شعر شوقي. علماً بأنه كان، قبْلاً، مُعجَباً أكثر بأشعار معاصره حافظ إبراهيم؛ شاعر النيل، ومما يدل على ذلك أن باكثير أرْسل في طلب ديوان حافظ حين صدوره في مصر، وهو ما يزال مُقيماً في سيئون الحَضْرَمية، ولمّا وصلته نسخة منه أوْلَمَ، وجمع لفيفاً من الأدباء في داره، ونظم أبياتاً بهذه المناسبة. وكان قدومُه إلى الحجاز، وقراءته المسرحيات الشعرية الشوقيّة، نقطة تحوُّل في نظرته إلى شوقي وحافظ؛ إذ غيّر موقفه في اتجاه تقديم الأول على الثاني، ولكنِ دون أن يعنيَ ذلك استخفافه بشعر حافظ مطلقاً.
وفي عام 1934، انتقل باكثير إلى مصر، التي اتخذها مستقرَّه النهائي، فالتحق بجامعة القاهرة جامعة فؤاد الأول سابقاً ، مختاراً شعبة اللغة الإنجليزية وآدابها، وتخرج منها، عام 1939، حاملا شهادة الإجازة. والتحق، مباشرة، بمعهد التربية للمعلمين، الذي حصل منه على الدبلوم عام 1940. واشتغل مدرِّساً بمصر حوالي خمس عشْرة سنة. وخلال فترة دراسته الجامعية، ترجَم مسرحية روميو وجولييت لوليام شكسبير من اللغة الإنجليزية إلى العربية، بالشعر المُرْسَل أو بالشعر الحُرّ كما يسمى لدى جمهور دارسِينا اليوم. وبعدها بعامين 1938 ، ألف مسرحيته المعروفة إخناتون ونفرتيتي بالشعر المرسل، لتكون، بذلك، كما يقول الزبيدي، أول مسرحية عربية تؤلف بالشعر الحر، بل أول تجربة شعرية فيه. 6
ولمّا حلاَ لباكثير المقام بمصر، تزوج، عام 1943، بسيدة مصرية لها ابنة من زوج سابق، فتربّت في كنف أديبنا الذي لم يرزقه الله تعالى أطفالاً، وجعلها بمثابة ابنةٍ من صلبه؛ فأغدق عليها الحنان والعطف وشتى ضروب الإحسان المادي والمعنوي. وحصل على الجنسية المصرية، بموجب مرسوم ملكي، عام 1951. وأحبّ مصر حبّاً جمّاً، واستطاب العيش فوق أرضها وبين أبنائها، واختارها موطناً له إلى حين موته، ولم يخطُر بباله أن يتركها حتى في سنوات حياته الأخيرة التي تعرّض خلالها إلى مضايَقات من قِبل أعدائه من الشيوعيين وغيرهم، وحوصِر أدبياً فمُنعت أعماله من الانتشار، ونُصبت عراقيل في وجه شخصه وكتاباته حتى لا تصل إلى وسائل الإعلام بل إنه آثر البقاء في مصر حتى حين تلقى عُروضاً مُغرية لترْكها من جهات عديدة في لندن ولبنان والكويت.
في مصلحة الفنون
وسافر باكثير، عام 1954، إلى الديار الفرنسية ضمن بعثة دراسية حُرّة. كما زار دولاً أوربية أخرى إنجلترا رومانيا الاتحاد السوفياتي سابقاً ، إلى جانب عدد من الدول العربية لبنان سوريا الكويت… . وزار تركيا، كذلك، وكان عاقداً العزمَ على تأليف مسرحية شعرية عن فتح القسطنطينية، ولكنّ المنية عاجَلته قبل أن يبدأ كتابتها، كما باغتته قبل أن يُنهي مسرحيته الشعرية عن بلدته حضرموت، التي تكوّنت لديه فكرتها حين زيارته إياها عام 1968، ومكوثه فيها قرابة شهر، وقد استوحى تصور هذا العمل وموضوعته الأساس من أسطورة شاعر شعبي يمني اسمُه ابن زامل. وقد أتاحت له زياراته تلك تعلمَ لغات أخرى، إلى جانب الملاوية والعربية، ولاسيما الفرنسية والإنجليزية.
وبعد عقد ونصف من العمل في التدريس، انتقل باكثير، عام 1955، للعمل في وزارة الثقافة والإرشاد القومي المصرية لدى إحداثها، وبالتحديد في مصلحة الفنون، وظل فيها إلى حين وفاته. وكان يشتغل معه، في مكتب واحد، الأديب العربي العالمي نجيب محفوظ. إلا أنه كان يُشرف على المسرح، على حين كان يشرف زميلُه نجيب على السينما. وكان رئيسهما المباشر، معاً، الأديب المعروف يحيى حقي. ولم يكن هذا أول تعارف بين باكثير ومحفوظ، بل حصل ذلك قبل سنواتٍ عديدة؛ إذ فازا مناصفةً بجائزة السيدة قوت القلوب الدمرداشية، في الأدب، عام 1944؛ بحيث نالها باكثير عن روايته الأولى سلاّمة القس ، وهي رواية تاريخية الطابَع، على حين حازها نجيب محفوظ عن روايته الثانية رادوبيس ، وهي كذلك رواية تاريخية تستلهم تاريخ مصر القديم. وحصل خلالَ مرحلة عمله بهذا القطاع الوزاري على منحتيْ تفرُّغ؛ أولاهُما امتدت من 1961 إلى 1963، أنجز خلالها ملحمته الدرامية الكبرى عن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بدءاً من توليه الخلافة إلى حين مقتله، في 19 جزءاً حُوِّلت إلى مسلسل تلفِزيوني فاقت حلَقاته المائة. وقد عُدَّ بذلك أول مَنْ كتب الملحمة المسرحية في الأدب العربي، وعُدّت ملحمته تلك ثاني أطول عمل درامي في تاريخ المسرح العالمي بعد مسرحية الحكام للكاتب الإنجليزي طوماس هاردي. كما عُدّ باكثير أول أديب عربي يحصل على منحة تفرغ في مصر. وحظي بمنحة تفرغ ثانية أنجز خلالها ثلاثيته المسرحية عن الغزو النابُليوني لمصر الدودة والثعبان أحلام نابليون مأساة زينب ؛ طُبع جزؤها الأول في حياة مُبدِعها، والجزآن الآخَران بعد وفاته. ويعد باكثير، بهذا العمل، أول عربي يؤلف ثلاثية مسرحية، نظيرَ ما فعله صديقه نجيب محفوظ صاحب الثلاثية الروائية المعروفة بين القصرين قصر الشوق السُّكّرية .
وفارَق باكثير الحياة بالقاهرة، إثر نوبة قلبية، يوم 10 نونبر 1969، عن عمر يقارب الستين سنة، ودُفن بمدافن الإمام الشافعي في مقبرة عائلة زوجته المصرية. وكانت آخر صيحاته، كما يذكر المهتمون بسيرة حياته لقد ذبحوني ، في إشارة إلى أعدائه الذين حاربوه، وضايقوه، وحاصروه، وسعوا، بكل الوسائل، إلى تشويه سُمعته، لاسيما وأنهم كانوا فئة نافذة في الصحف والإعلام على اختلاف أشكاله، وفي عديدٍ من الميادين الثقافية بمصر، وكانت مدعومة من جمال عبد الناصر و بلطجيتـ ـه. وكان أولئك الأعداءُ، وأغلبهم من الشيوعيين، يستهزئون به، وينادونه ساخرين علي إسلامسْتان ، ولم يكن المدعوّ يُخفي كبيرَ اعتزازه بأنْ تلصَق بشخصيته وبأدبه صفة الإسلامية . وطالما سَخّر قلمه للوقوف في وجه المدّ الشيوعي الذي كان جارفاً في الخمسينيات والستينيات في جُلّ أنحاء العالم العربي؛ كما في روايته الثائر الأحمر التي حُوِّلت إلى تمثيلية إذاعية.
لقد كانت حياة باكثير حافلة بالعطاء الفكري والأدبي؛ ذلك بأنه خلّف لنا مجموعة كبيرة من النصوص الإبداعية والأدبية التي توزّعت بين المسرحية والرواية والشعر وغيرها. ولكنّ الملاحَظ أنه بدأ مسارَه الأدبي بنظْم الأشعار، قبل أن ينتقل إلى ربْطها بالمسرح في إطار ما يُعرَف بـ المسرح الشعري ، وكتب أيضاً المسرحية النثرية والرواية والدراسات والمقالات الأدبية، علاوة على ترجمة نصوص من لغات أجنبية كان يُجيدها. بيد أن المسرح، بنوعيْه، شكل المجالَ الأدبي الذي برع فيه الرجل، وتميّز، وأبدع فيه أكثر أعماله.

يحمل صورة طير وفيل وعمره أكثر من 1442 عاماً

بالصور..سعودي يرفض بيع حجر "سجّيل" بـ 4 ملايين دولار

رفض سعودي بيع قطعة أثرية عبارة عن حجر يعود لـ 1442 عاماً بمبلغ 4 ملايين دولار عرض عليه من مصر، بينما اكتفت هيئة السياحية وتحديداً مكتبها في منطقة الباحة بطلب صورة من الهوية الوطنية وترك الحجر والانصراف!
وقال صالح مسفر الغامدي لـ صحيفة"سبق": "عثرت على حجر (سجّيل) يبلغ وزنه 131 جراماً، كعدد كلمات سورة الفيل بالتعوّذ والبسملة، ويحمل صورة طير وفيل وعليه ختم من الجانبين وأسراب طيور، وهو حجر كما وصفه القرآن سجيل طين متحجر محروق، يعود تاريخه لعام 571 ميلادي، أي منذ 1442 عاماً".
وأضاف الغامدي: "وجدت الحجر عام 1431هـ في وادي جرب التابع لمحافظة العقيق بمنطقة الباحة، وكان يسمى الوادي الأخضر، وهذا الوادي نزل فيه أبرهة الحبشي وجنوده، ومكثوا فيه فترة طويلة ولديهم جادة هنا".

وبيّن أنه عثر على الحجر بعد رؤيته مناماً في الليلة السابقة يتعلق بوالده وجده، ولفت إلى أنه استشار الكثير من الزملاء حوله، وذكر بعضهم أنه يمكن بيعه بمبلغ 50 ألف ريال الا أنه رفض بيعه.
وتابع يقول: "بعد مرور عام وتحديداً العام الماضي استشرت أحد الأصدقاء من الجنسية المصرية لديه أقارب يعملون بمجال الآثار في مصر، وخاطبناهم وأرسلنا صوراً للحجر، وبعد عدة مشاورات عرضوا بشراء الحجر بـ 4 ملايين دولار، ورفضت بيعه لهم وعرضت الحجر على مكتب هيئة السياحة في منطقة الباحة، وطلبوا مني كتابة معروض وصورة للهوية الوطنية مع تسليم الحجر، إلا أنني رفضت تسليمه وما زلت محتفظاً به".

بلدات إندونيسية تعاقب سكانها بالنبذ مدى الحياة
عائلات تعيش «النفي الداخلي» والحرمان من الخدمات تطبيقا لتقاليد قديمة جرى إحياؤها بعد سوهارتو
سولانغ (إندونيسيا): أوبري بيلفورد*
يتسم ميد راي ببنية ضعيفة وشعر هزيل تملكه الشيب، وله عينان تلمعان بوميض مهتز. ويقدر راي أنه في الثمانينات من عمره. وعلى الرغم من أنه متقدم في العمر بدرجة بالغة لا تسمح له بأن يسرد بثقة كيف بدأ الخلاف بين عائلته وهذه القرية الواقعة في منطقة بالي، فإنه يبقى مدركا تماما للعواقب المترتبة على الخلاف. عندما يتحرك بعيدا عن المجمع الذي تقطنه عائلته، يشيح الجيران بوجوههم بعيدا، ويرفضون الحديث إليه. كما أنه ممنوع من زيارة معابد القرية، التي تعد مركزا للحياة الروحية الهندوسية في بالي، بل وعندما يتوفى، سيرفض أهل القرية دفن جثمانه بمقابر القرية.
أما أحفاد راي الذين كانوا يلهون بالقرب من قدميه، فنادرا ما يقدمون على الخروج من المجمع الخاص بالعائلة ويعانون من «تأثيرات نفسية» جراء الموقف القائم، حسبما ذكر راي. وعلى الرغم من أن هؤلاء الأطفال لم يكونوا قد ولدوا بعد عندما بدأ النزاع، فإنهم الآن محرومون من ارتياد مدرسة القرية، وطبقا للقواعد التي أقرها سكان القرية، فإنه محظور عليهم تبادل أطراف الحديث مع الأطفال الآخرين الذين يلهون في شوارع القرية.
يعد راي والعشرات من أقاربه ضحايا لـ«كاسيبيكانغ»، وهو نمط تقليدي للعقاب يقوم على النبذ والنفي. وفي مجتمع ترتبط فيه دورة الحياة والدين برمتها بقرى عتيقة، فإن «كاسيبيكانغ» يصبح أشبه بحكم الإعدام الاجتماعي والروحي. وقالت ابنة شقيق راي، نغوراه سومادي أريوان: «عندما نسأل القرية ما الخطأ الذي اقترفناه، يتعذر عليهم الرد. هل سيتعين علينا طلب اللجوء بسبب هذا الوضع؟ إننا إندونيسيون، فأين ينبغي أن نذهب؟».
والملاحظ أن ممارسة «كاسيبيكانغ» تنامت في إطار حركة إحياء لأنظمة القانون العرفي القديمة على مستوى البلاد منذ تنحي سوهارتو عن السلطة عام 1998 بعد أكثر من 3 عقود من الحكم الديكتاتوري. وفي الوقت الذي ركز النظام القديم السلطة في جاكرتا وقمع مراكز السلطة المنافسة، فإن إندونيسيا بوجهها الديمقراطي الجديد سمحت بقدر أكبر بكثير من الاستقلال الذاتي للأقاليم وإبداء احترام أكبر لأنظمة القوانين التقليدية.
في بعض أجزاء هذا البلد ذي الأغلبية المسلمة نجحت عناصر إسلامية محافظة في إدخال عناصر من الشريعة في الكتب. وفي مناطق أخرى، حلت الولايات القضائية التقليدية للقرى وأنظمة العدالة التابعة لها محل القوانين الوطنية، وإن كان على نحو غير رسمي.
في بالي، حيث تهيمن الهندوسية على الحياة العامة، يجري النظر إلى هذا التحول باعتباره يعزز نظاما دقيقا يمزج منذ أمد بعيد بين التقاليد الدينية والثقافية والتنظيم الاجتماعي. كل فرد من أبناء بالي يرتبط بعائلة، وهي بدورها مرتبطة بمجلس ضاحية، أو «بانجار»، وقرية. ويجبر أبناء بالي بصورة متكررة على التبرع بأموال والعمل لحساب الاحتفالات في المعابد والبقاء مرتبطين بقراهم التي ينتمي إليها أسلافهم وجدودهم، حتى فيما بعد الموت.
ويتعرض أي فرد ينتهك القانون العرفي لأنماط متنوعة من العقاب على يد المجتمع المحيط، تبدأ بالغرامات، مرورا بالفضح العام، ووصولا إلى «كاسيبيكانغ». وقال ديغونغ سانتيكارما، عالم الأنثروبولوجي في بالي، إن المجتمع في بالي يبدو «منظما، لكنه في حقيقة الأمر قمعي. في بالي، تسيطر الثقافة على الأفراد».
ما زال المدافعون عن «كاسيبيكانغ» يعتبرونه الطرف الأخير في نظام ضروري للحفاظ على ممارسات قديمة في مواجهة العولمة والتنمية الاقتصادية وحركة السياحة الواسعة. ما زال النقاد يرون أن العكس هو الصواب، حيث يعد تطبيق هذا العقاب نموذجا لإساءة استخدام حديث للتقاليد على نحو يشكل عدوانا على الحقوق.
وأشار وايان وينديا، باحث في القانون العرفي بجامعة أودايانا في دينباسار، عاصمة إقليم بالي، إلى أن حالات تطبيق «كاسيبيكانغ» عادة ما تتخفى وراء قناع، لكن منشأها عادة ما يكون خلافات ذات طابع دنيوي. وأضاف: «ما يظهر على السطح عادة قضايا تقليدية، لكن وراءها تقف عوامل اقتصادية وسياسية وأخرى تتعلق بالطبقة الاجتماعية».
حاليا، لا تزال هناك 4 خلافات «كاسيبيكانغ» على الأقل في بالي، لكن مثلما هو الحال مع غالبية مثل هذه الصراعات على مدار العقد الأخير، يتمثل الدافع وراءها في تنافسات وعداءات محلية. وقد جرت تسوية خلافات أخرى، في أفضل الحالات، عبر التفاوض أو سداد غرامة، وفي الأسوأ عبر طرد العائلات المنبوذة. في أحد الخلافات التي وقعت في غرب بالي العام الماضي، عوقب 16 فردا من «بانجار»، واحد بـ«كاسيبيكانغ»، لرفضهم تأييد مرشح للحكومة المحلية، مما يفترض أنه شكل انتهاكا لتقليد صنع القرار الجماعي. وجرت تسوية هذا الخلاف لاحقا عبر التفاوض.
بوجه عام، تبدو قرية سولانغ أشبه بمستعمرة مكتظة بالسكان تتألف من مجمعات سكنية ومعابد حجرية، تحيطها حقول أرز وتلال تغطيها غابات. ويتسم الخلاف القائم هنا بجذور غامضة تستعصي على الفهم سوى على عدد محدود للغاية من سكان القرية. في عام 1972، دخل الزعماء الرجال لخمس عائلات، بينهم راي، في صدام مع زعامات أخرى بالقرية بعد أن أصروا على مخاطبتهم بلقب التبجيل «غوستي»، الذي يشيع استخدامه لأعضاء طبقة التجار «ويسيا» الاجتماعية. وقال قرويون آخرون إنهم يحاولون عن غير حق القفز لمرتبة أعلى في الهرم الطبقي الاجتماعي وأصروا على أن تجري مخاطبتهم بلقب «سي»، وهو لقب «ويسيا» أدنى.
على مدار العقود الثلاثة التالية تفاقمت التوترات، حسبما ذكر أهالي القرية، مع سلسلة من الإهانات والخلافات. لكن بعد رحيل سوهارتو وحصول بالي وأقاليم إندونيسية أخرى على قدر أكبر من الاستقلال الذاتي، عاود القانون العرفي الظهور، حسبما ذكرت سومادي، ابنة شقيق راي. وفي عام 2000، خلال اجتماع لمجلس القرية العرفي تم رسميا إعلان إنزال عقاب «كاسيبيكانغ». وفي أبريل (نيسان) الماضي، وبعدما اعتبره زعماء القرية سلسلة أخرى متصاعدة من التجاوزات، صوتت القرية لصالح إقرار موعد زمني نهائي غايته عام واحد للعائلات المنبوذة لترحل عن القرية أو تتعرض للإجلاء قسرا.
وقال نغوراه باغوس بوترا، رئيس المجلس التقليدي للقرية: «كشخص عطوف، أشعر بالأسى من أجلهم، لكن التقاليد أهم. وإذا وقفت إلى صفهم، يمكن أن أتعرض أنا الآخر للنبذ».
ما زال الخلاف يدور حول مسألة ما إذا كان هذا العقاب التقليدي جزءا جوهريا من الميراث بمنطقة بالي أم لا. فمثلا، انتقد باريسادا هندو دهارما أعلى سلطة هندوسية بإندونيسيا، «كاسيبيكانغ» علانية، مشيرا إلى تعارضه مع التعاليم الدينية. وبينما أمسك بيده وثائق تعود إلى الحقبة الاستعمارية تساند ادعاءه بأحقيته في الحصول على لقب «غوستي»، قال سومادي، شقيق راي، إن «كاسيبيكانغ» منع أسرته من التمكن من التقدم للحصول على بطاقات هوية حكومية جديدة، التي يتعين توافرها لدى الإندونيسيين لإبرازها لتنفيذ مهام إدارية أساسية مثل الحصول على ترخيص قيادة والحصول على طعام مدعوم ووظائف. ومع التزام أهل القرية بالحظر الذي يفرضه «كاسيبيكانغ» على الحديث إلى العائلات المنبوذة، فإن أفرادها عجزوا عن استخدام المستشفى والمدرسة والمكتب الإداري بالقرية.
قوبلت مناشدة وجهت إلى حكومة المقاطعة مؤخرا للتدخل بالرفض، على أساس أنه من المتعذر عليها التدخل في تطبيق القانون العرفي. وطبقا لما ذكره سومادي، فإن هذا الوضع لم يكن ليحدث قط في ظل حكم سوهارتو الذي عمد بصرامة إلى وضع القوانين الوطنية في منزلة أعلى من الأخرى العرفية. وقال: «في بالي، تتخذ كل مشكلة طابعا تقليديا، كي تعجز القوانين الوطنية عن المضي قدما. إنه انتهاك صارخ لحقوق الإنسان».
* خدمة «نيويورك تايمز»
-->
--> -->

محمود طرشوبى

فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً

الإثنين، 11 أكتوبر 2010 - 20:06
Bookmark and Share Add to Google
ابتليت الأمة الإسلامية فى العهود المتأخرة بأزمة كبيرة فى تغيير المفاهيم وأصبحت هناك تغطية مقصودة على كثير من مفاهيم الإسلام، وطافت على السطح مفاهيم غريبة لم نسمع عنها فى الصدر الأول، وهو خير القرون، مثل فقه الموازنات وفقه الأولويات وفقه الواقع وغير ذلك من مسميات لم يعرفها أئمة الإسلام فى القرون الهجرية المختلفة، وأصبح التحدث فى أمر الدين مهنة من لا مهنة له.

خرجت علينا من خلال الفضائيات والصحف شخصيات أساءت إلى الدين ولم تصلح شيئاً وتساهلت فى أمر الفتوى وبضاعتها فى العلم قليلة وتسمع منهم ما ينكره القلب والعقل، وأصبحت بلاد العالم الإسلامى سوقاً رائجاً للفتوى وتدر دخلاً لا بأس به، خاصة أن الفتوى تتم حسب القناة وتوجهاتها، لكن أن تأتى الفتاوى على هوى الجماعة ونشاطها السياسى فهذا أمر جديداً علينا فى عصرنا، صحيح أن كثير من الجماعات والفرق فى القرون الهجرية المختلفة قد وضعوا الحديث من أجل نصرة مذاهبهم وآرائهم، ولكن أن يعود هذا الأمر من جديد وعلى يد متخصص فى علم الحديث ورجل له مكانة وعلم فى داخل مجتمعنا، فهذا أمر ننكره بقلوبنا وعقولنا، فقد وجه الدكتور عبد الرحمن البر أستاذ الحديث وعضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين ومفتى الجماعة، الدعوة مجدداً لفصائل الحركة الإسلامية للمشاركة فى العملية الانتخابية وتشكيل مشروع إسلامى وطنى واحد ولو من خلال عملية التصويت فى الانتخابات البرلمانية القادمة، ووصف البر المشاركة فى الانتخابات بأنها نوع من الجهاد، قائلاً: المشاركة فى الانتخابات ترشيحًا وإدلاءً بالصوت نوع من الجهاد الأكبر؛ لأن فيها جهدًا كبيرًا يبذل لخدمة الإسلام والوطن والمسلمين، وسائر الناس أجمعين، وفيها كذلك رفع لبعض الضرر عن الأمة.وأضاف أن المشاركة فى الانتخابات باتت جهادا أكبر؛ لأنها فريضة الوقت، فقضية الإسلام اليوم هى انحراف كثير من الحكومات عن دين الله تبارك وتعالى وعن شريعة الحق، وشيوع الفساد فى كثير من الجوانب ومناحى الحياة على أيدى رجالات الدولة، والجهاد الأكبر هو فى إصلاحهم أو استبدالهم. "جريدة الدستور".


وفى محاولة لتأصيل المشاركة أو العزوف عنها من الناحية الشرعية يقول البر فى مقال له نشره موقع الجماعة تحت عنوان «الانتخابات.. رؤية شرعية» يقول: إذا تخلف المسلم عن المشاركة فى مثل هذا الأمر؛ فقد قصر فى القيام بواجبه الشرعى فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.


قد لا نختلف مع الدكتور البر فى حكم الانتخابات و إنها نوع من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وسواء بالمشاركة الفعلية من الترشيح أو الانتخاب أو حتى القيام بواجب المراقبة، كل هذا قد لا نختلف عليه ولكن أن توضع الإنتخابات محل الجهاد الأكبر فهذا غير مقبول، وأن السبب التى سيقت من أجله الفتوى "غير الشرعية" وإن كان صحيحاً، فعلاجه ليس بجعل الانتخابات محل فريضة الجهاد، وكيف لنا الآن أن نقف أمام الجماعات الإسلامية التى اتخذت نفس السبب – انحراف الحكومات - كذريعة للقيام بعمليات مسلحة ضد النظام المصرى، مما أضرت بحال البلاد والعباد، وأدخلت مصر معها فى متاهة لا يعلمها إلا الله وما خرجنا منها إلا بعد تضحيات كثيرة، وبعد مبادرة وقف العنف التى اتخذت من جانب الجماعة الإسلامية والجهاد، خرجت علينا مجموعات صغيرة تبنت فريضة الجهاد كحل لمعالجة الانحرافات الحكومية، وبدأت فى الإعداد للقيام بعمليات مسلحة داخل مصر ولولا رحمة الله بهذا البلد لكان هناك بداية حقيقة لمرحلة جديدة من العنف.


إن الاختلاف بين الحركات الإسلامية فى مشروعية الانتخابات معروف ومثار منذ فترة طويلة والأمر يدور بين الجواز وعدم الجواز، وهناك فريق داخل الحركة الإسلامية لم يتخذ موقف واقتصر فيها على أن الانتخابات ليست من أعمال الدعوة، ولذلك رفضوا اتخاذ حكم شرعى فى المسألة وكانت الحركات السلفية أكثر من تبنى هذا الرأى.


إن الجهاد: وهو قتال الكفار من أجل إعلاء كلمة الله بالنفس والجهد والمال، هذا هو تعريف الجهاد عند جل علماء المسلمين، وهو أمر لا ترتقى إليه أبدا الانتخابات، فلن يكون المقتول فيها شهيداً أو أن يتبدل الحكم الشرعى فى الزكاة وتصرف فى الانتخابات على أنها جهاد فى سبيل الله، وهو من الأصناف الثمانية التى تصرف فيهم الزكاة، أليس هذا انحراف للحكم الشرعى مثل الانحراف الذى يتكلم عنه فضيلة الدكتور البر بالنسبة للحكومات.


ثم يقول الدكتور البر (وإذا تخلف المسلم عن المشاركة فى مثل هذا الأمر؛ فقد قصر فى القيام بواجبه الشرعى فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر) هل مثل هذا الكلام يقال، فماذا لو ظن المسلم أن المقاطعة خير من المشاركة وهذا صوت موجود داخل جماعة الإخوان الآن هل نذهب إلى البيت ونستغفر الله على أنه ذنب وتقصير فى واجب شرعى، ووصل الأمر بالدكتور فى مجموعة مقالاته الخطيرة والتى لا يراد منها إلا إضقاء قدسية على أفعال الجماعة وقياداتها الرشيدة فيقول (إن عدم الدخول فى المجالس النيابية وعدم المشاركة فيها، وعدم القيام بهذا الأمر مع القدرة والاستطاعة؛ أشبه بالهروب من المسئولية والتولى يوم الزحف، ألم أكن أتصور أن يصل الأمر إلى هذه الدرجة أن يجعل من الانتخابات والذى هى مجرد وسيلة من وسائل التغيير ومحاولة لإقامة فريضة الأمر بالمعروف إلى أن المقاطعة لها مثل التولى يوم الزحف، والذى اعتبره الرسول الكريم بأنه من السبع الموبقات (المهلكات)، فهل تولى الإخوان من الزحف فى انتخابات 1990عندما أعلنوا المقاطعة، وهل كان تنازل حسن البناعن ترشحه فى الانتخابات أمام النحاس هروباً من ميدان الجهاد وهل أعلنت أن إخوان الإردن الذين أعلنوا مقاطعة الإنتخابات فى بلادهم أنهم أثمين وعليهم إثم القعود عن الجهاد، بل وعليهم ذنب عظيم من هروبهم من ميدان الجهاد، أو إثم التولى يوم الزحف.


إن الإسلام أمرنا بأن نبحث عن الحكم الشرعى فى كل ما يفعله الإنسان، وإن وصلنا إلى أن المسائلة من الأمور الخلافية، فلا يجب أبدا أن أنكر فيها على المخالف، وإن وصلنا بالحكم الشرعى فيها على أنها من باب الجواز، فلكل شخص وجماعة أن ترى الصالح والأفضل لها سياسياً من حيث المشاركة أو المقاطعة، وإن الأمر مادام مباحاً فإنه يخضع لقاعدة المباح كما قررها الشاطبى "المباح من حيث هو مباح لا يكون مطلوب الفعل ولا مطلوب الترك" وهناك تتدخل المصالح التقديرية لكى تقرر ما تفعله بدون النظر إلى ما قرره الدكتور، وإلى النظر إليها على أنها من باب الجهاد الأكبر.


إن الإفتاء على هوى الجماعة ومقاديرها وإصدار فتوى من رجل حديث مثل الدكتور عبد الرحمن البر يفتح الباب على مصراعيها لفتاوى كثيرة لن تصب فى مصلحة الإسلام ولا فى مصلحة البلد.

 

باكستان ومسؤولية العالم الإسلامي

 

عبدالجليل زيد المرهون
    الدول الإسلامية تتحمل الجزء الأهم من المسؤولية عن إغاثة الشعب الباكستاني. وعلى هذه الدول أن تنسق جهودها على نحو فيه الكثير من التنظيم. وهناك اليوم حاجة لأعداد هائلة من الخيام، وكميات كبيرة من الأطعمة
أسفرت الفيضانات التي اجتاحت مناطق شاسعة من باكستان عن خسائر بشرية ومادية كبيرة. ووضعت ملايين السكان في العراء، وتلفت أرزاق ملايين آخرين، وعرّضت عشرات الآلاف من الأطفال لأمراض وأوبئة خطرة. لقد ألحقت السيول أضراراً متفاوتة بعشرين مليون باكستاني، بينهم أربعة إلى ثمانية ملايين هم اليوم دون مأوى. وبدأت السيول تنحسر، تاركة قرى مدمرة وأوحالاً على امتداد النظر.
لقد غمرت مياه الفيضانات، التي بدأت في 28 تموز/ يوليو الماضي بأمطار موسمية غزيرة، آلاف القرى، وبات بعضها أشبه بالأطلال. كذلك، جرفت السيول مئات الكيلومترات من الطرق، والعشرات من الجسور والبنى التحتية الأساسية. وضربت بسببها الزراعة الباكستانية، العمود الفقري لاقتصاد البلاد، إذ جرى تدمير أكثر من 1.71 مليون هكتار من القطن والذرة وقصب السكر.
ودمرت السيول أيضاً نحو 500 ألف طن من القمح، كانت مخزنة لدى الناس. كما أتلفت نحو مليوني بالة من القطن.
وحسب منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، فإن نحو 200 ألف رأس من الماشية قد نفقت أو فُقدت، غير أن الأعداد النهائية ستكون أكبر بكثير وقد تصل إلى الملايين، ناهيك عن أن ملايين الدواجن قد نفقت مع اكتساح الفيضانات لها.
يقول مسؤول برامج الفاو في باكستان: "الماشية في هذا البلد تمثل المصرف المتحرك للفقراء، ففي الأوقات المواتية يقوم الناس بإعداد حيواناتهم وتربيتها، بينما في الأوقات غير المواتية يقومون ببيع ماشيتهم من أجل الحصول على دخل نقدي. فكل حيوان يتم إنقاذه هو بمثابة رصيد يُمكّن الأسر الفقيرة من إعادة بناء حياتها حين تنحسر الفيضانات بصورة نهائية".
ويستحوذ القطاع الزراعي على 43% من إجمالي قوة العمل الباكستانية، مقابل 20% للصناعة و 36.6% للخدمات. وأبرز منتجات باكستان الزراعية هي القمح والرز والسكر والقطن، كما تعتبر منتجا رئيسيا للحوم.
ومن المتوقع أن تحصد إسلام آباد، ثالث أكبر دولة منتجة للقمح في آسيا، حوالي 24 مليون طن من المحصول في موسم 2009-2010، كما أن لديها مخزون مرحل من الموسم السابق.
وتزيد مساحة باكستان قليلاً على 796 ألف كيلو متر مربع، منها 25.22 ألف كيلومتر مربع مسطحات مائية. ولديها سواحل تفوق قليلاً الألف كيلومتر، مقابل 6.774 كيلومتراً هي طول الحدود البرية.
وبالإضافة إلى المياه الجوفية، تستمد باكستان مياهها من التدفق السنوي لنحو 190 مليار متر مكعب من المياه إلى منظومة الأندوس. ومعظمها مستمدة من الثلوج التي تذوب في جبال الهملايا. وتضم منظومة الأندوس بصفة أساسية أنهار الأندوس جهيلوم، وتشيناب وكابول.
ويعتبر سد تاربيلا، الذي بني على نهر الأندوس، في ستينيات القرن العشرين، واحداً من أكبر السدود في العالم. أما سد كوتري، فقد تم بناؤه في العام 1956 قرب مدينة حيدر آباد، في إقليم السند. وهو يعد آخر السدود على نهر الأندوس، قبل أن يصب في بحر العرب، حيث تنتهي بصبه كارثة السيول.
ويعيش نحو 1.5 مليون نسمة على ضفاف الجزء الأخير من نهر الأندوس، الممتد لحوالي 120 كيلومتراً، من سد كوتري في إقليم السند بجنوب باكستان.
وفي العادة، يتدفق نهر الأندوس عبر سد كوتري بسرعة تصل إلى نحو 2.8 متر مكعب في الثانية، خلال المرحلة الأخيرة من رحلته إلى البحر، ولكنه تدفق أخيراً بسرعة تجاوزت 25.4 متراً مكعباً في الثانية، مما أدى إلى كارثة السيول.
وفي المجمل، فإن ما نسبة 77% من سكان باكستان تقطن في حوض نهر الأندوس بتفرعاته المختلفة.
ويبلغ عدد سكان باكستان 174.57 مليون نسمة، وفق مؤشرات منتصف العام 2010. وهي السادسة عالمياً على هذا الصعيد. ويقع أكثر من 36% من سكان البلاد تحت سن الخامسة عشرة. ونحو 59% بين 15 – 64 سنة. ويبلغ معدل النمو الديموغرافي السنوي للبلاد 1.55%.
وفي العام 2009، بلغ الناتج القومي الإجمالي لباكستان 433.1 مليار دولار، فيما بلغ معدل دخل الفرد السنوي فيها 2600 دولار في العام نفسه. مقابل 5400 دولار في بوتان، 4500 دولار في سري لانكا، 3100 دولار في الهند، 1600 دولار في بنغلاديش،1200 دولار في نيبال و800 دولار في أفغانستان.
وبلغت الميزانية العامة لباكستان 22.94 مليار دولار، في العام 2009، في حين بلغ الإنفاق 31.54 مليار دولار. وكانت نسبة الاستثمارات إلى الناتج القومي الإجمالي18.1 %.
ويبلغ إجمالي صادرات البلاد 18.44 مليار دولار سنوياً، حسب مؤشرات العام 2009، فيما تبلغ إجمالي وارداتها 28.47 مليار دولار. وتستورد باكستان أكثر من ثلاثمائة ألف برميل من النفط يومياً، لكنها تمتلك اكتفاءً ذاتياً من الغاز الطبيعي.
وفي نهاية آب/ أغسطس الماضي، تم إغلاق مصفاة الشركة الباكستانية - العربية للتكرير المحدودة (باركو)، جراء الفيضانات. وتنتج هذه المصفاة 100 ألف برميل يومياً، وستحتاج البلاد لاستيراد وقود الطائرات والبنزين لسد النقص في المعروض. وباركو مملوكة بنسبة 60% للحكومة الباكستانية، فيما تحوز شركة أبوظبي للاستثمارات البترولية على الحصة المتبقية.
وسوف يتعين على باكستان اليوم اتخاذ خيارات صعبة في إعادة تخصيص الاستثمارات الحكومية، لأهم الأولويات، وإيجاد طرق لتعبئة الموارد. ويستلزم حجم المأساة مراجعة ميزانية الدولة وتوقعاتها للاقتصاد الكلي. وستكون المساعدات الأجنبية ضرورية، بالنظر إلى شح التمويل الداخلي، وعدم قدرته على مواجهة نتائج الفيضانات.
وسوف يقوم مائة خبير دولي بتقييم الأضرار الناجمة عن السيول، في مجالات تشمل النقل والاتصالات والطاقة، والري ومياه الشرب والصرف الصحي، وخدمات الصحة والرعاية الاجتماعية، والإدارة العامة.
وكانت باكستان قد لجأت إلى صندوق النقد الدولي، في تشرين الثاني /نوفمبر 2008، بعدما أوشكت على العجز عن سداد التزاماتها. وقد تلقت في أيار/ مايو الماضي الدفعة الخامسة ( 1.13 مليار دولار) من قرض الصندوق البالغ 11 مليار دولار. ومن الخيارات المتاحة الآن تعديل خطة هذه القروض لكي تأخذ في الحسبان الضغوط المالية الناجمة عن الفيضانات. أو اللجوء إلى التمويل الطارئ، الذي يخصصه صندوق النقد للبلدان المتضررة من الكوارث الطبيعية.
على صعيد المساعدات الدولية، حصلت الأمم المتحدة على وعود تتخطى ال700 مليون دولار من أكثر من 30 دولة. وبحسب مكتب الأمم المتحدة، المخول تقديم حصيلة يومية لوعود المساعدات الإنسانية، فإن 490,7 مليون دولار من المساعدات قد تم دفعها بالفعل،حتى تاريخ العشرين من آب/ أغسطس الماضي.
من جهته، أعلن البنك الآسيوي للتنمية أنه سيقدم حزمة مساعدات لباكستان بقيمة ملياريْ دولار،لإعانتها على إصلاح الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية.ولم يتضح ما إذا كانت الأموال ستقدم جميعها عبر قروض، أم ستكون مزيجاً من القروض والمنح. وقال البنك إنه يتوقع أن يمنح مساهماته لباكستان على مدى عامين، استناداً إلى نتائج تقرير يقيّم الأضرار والاحتياجات.
ومن بين كافة دول العالم ومؤسساته، فإن الدول الإسلامية تتحمل الجزء الأهم من المسؤولية عن إغاثة الشعب الباكستاني. وعلى هذه الدول أن تنسق جهودها على نحو فيه الكثير من التنظيم. وهناك اليوم حاجة لأعداد هائلة من الخيام، وكميات كبيرة من الأطعمة ومياه الشرب، والأمصال والأدوية. هذا فضلاً عن عشرات المروحيات التي يجب على الدول الإسلامية وضعها في تصرف السلطات الباكستانية، حتى تتمكن من الوصول إلى القرى والبلدات المعزولة، والسكان الذين تقطعت بهم السبل. هذا على المدى الآني والعاجل.
بعد ذلك، لابد من توفير الأموال اللازمة لإعادة بناء القرى، واستصلاح الحقول، التي يعيش عليها ملايين السكان.
على الدول الإسلامية أن تتحرك لأن شعب باكستان أضحى أمانة في عنقها.

 http://www.alriyadh.com/2010/09/03/article556924.html

حملة مفلسة ضد الإسلام

تاريخ النشر: الأحد 22 أغسطس 2010
لاشك أن ما حدث في الرابع من نوفمبر 2008 يدعو للذهول والدهشة، إذ على رغم الصعوبات الاقتصادية القاسية وانتفاء الشعور بالأمان قرر الناخبون الأميركيون الذهاب إلى صناديق الاقتراع ليختاروا الأمل على الخوف وليوصلوا أوباما إلى البيت الأبيض ليكون أول رئيس أسود في البيت الأبيض. ومرد هذا الذهول، بالنسبة لي شخصيّاً على الأقل، أنه على مدار دراستي الأكاديمية للمجتمعات التي تعاني من صعوبات وتمر بأوضاع اقتصادية غير مستقرة لاحظتُ أنها عادة ما تأتي استجابتها في ظل تلك الظروف على شكل حركات اجتماعية تتقوقع على نفسها بدافع من الخوف والشعور بالاضطراب منسحبة وراء خطاب شوفيني ضيق ومعادٍ للأجانب، كما تبادر بالحنين إلى ماض متخيل تمجده، مبالغة، في ذات الوقت، في تصور تهديدات محدقة سواء كانت حقيقية، أو مفترضة. ومن النادر لمجتمع تعرض لهجوم قاس على أراضيه كما حصل للولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر 2001 وخاض حربين لم يتضح مآلهما بعد، فضلاً عن فقدانه الثقة بمؤسساته الاقتصادية ما أدى إلى درجة كبيرة إلى تراجع ازدهاره وتزايد معدلات البطالة في صفوفه، أن يستدعي قيمه الإيجابية ويتمسك بمبادئه الديمقراطية والمتسامحة. وهذا فعلا هو ما أظهره المجتمع الأميركي الذي زادته الصعوبات تشبثاً بالمثل التي تأسست عليها الجمهورية.
ولكن من المؤسف حقاً أن نرى اليوم عودة جديدة للخوف ومعه تراجع مساحة التعقل والحكمة التي طبعت الفترة السابقة على الأقل في ردة فعل المجتمع وبعض قواه تجاه المسلمين، فعلى مدى فترة السنة ونصف السنة الماضية شاهدنا كيف تلبس الخوف أشكالا مختلفة مع تصاعد هجوم المعارضين لأوباما وزحفه على جبهات متعددة من تشكيك في ديانة الرئيس والغمز بأنه مسلم والتقول على جنسيته ومكان مولده وأصوله الحقيقية، ثم اتهامه بنشر "الاشتراكية" و"الماركسية"، مروراً بانتقاد إصلاح نظام الرعاية الصحية، وليس انتهاء بالهجوم على المهاجرين غير الشرعيين والدفع إلى إنكار حق الجنسية على أبنائهم، وصولا اليوم إلى الهستيريا الجماعية المستهدفة للمسلمين على خلفية بناء مسجد ومركز إسلامي.
وفي هذا السياق يمكن فهم المعارضة التي يبديها البعض ضد بناء مركز إسلامي ومسجد بالقرب من مركز التجارة العالمي، فهي ليست مجرد احتجاج على بناء مسجد في مكان معين، بل هي فصل من فصول حملة متصاعدة تستغل الخوف من خلال استدعاء الشعور بعدم الأمان ونكء جراح قديمة! والمشكلة ليست في المسجد الذي سيبنى في مكان شهد هجمات 11 سبتمبر، بل في التوظيف السياسي لبناء المسجد من قبل الجناح اليميني داخل الحزب "الجمهوري" الذي تزعَّم حملة التشويه والتخويف لتنتقل حمى المعارضة إلى باقي السياسيين حتى في الجانب "الديمقراطي" بعدما خرج زعيم الأغلبية "الديمقراطية" في مجلس الشيوخ، هاري ريد، على الملأ ليعلن تحفظه على إقامة مركز إسلامي في المكان المخصص له حتى بعدما وافقت السلطات المحلية في مانهاتن بنيويورك على منح التراخيص اللازمة للمضي قدماً في بناء المركز والمسجد، وقد تصاعدت الحملة في الأيام الأخيرة لتصل إلى مستويات غير مسبوقة من الكراهية والكلام المخل بعدما طالت الإسلام وحولته من دين سمح يشترك مع الأديان الأخرى في الدعوة إلى السلام إلى أيديولوجية متعصبة، وقد كان لافتاً على وجه الخصوص اللغة التي استخدمها بعض السياسيين في وسائل الإعلام والتي تنضح تعصباً وانغلاقاً على الذات وكـأننا في بلد غير أميركا التي ينص قانونها المؤسس على احترام الحرية الدينية وضمان ممارستها دون تضييق.
واليوم بسماعنا للكلمات واللغة التي يستخدمها بعض قادة الحزب "الجمهوري" في الهجوم على الإسلام وتوظيف موضوع بناء المسجد سياسيّاً لدغدغة العواطف وربح الأصوات في الانتخابات النصفية المقبلة ندرك تنكر هؤلاء وتضحيتهم بقيم التسامح والتعقل والتبصر وتحويل قضية بسيطة إلى حملة وطنية لا لشيء إلا لتحقيق مكاسب سياسية وللظهور بمظهر المدافع عن مشاعر الناس وحساسيتهم، وهم بذلك يمدون التطرف والأصوات المتشددة حول العالم بما يلزمها للتنديد بالنفاق الأميركي والمعايير المزدوجة في التعامل مع الإسلام والمسلمين بعدما أصبحت قضية بناء مسجد، لا تستحق أصلا كل هذا التهويل، حملة طويلة عريضة ممنهجة لتشويه الإسلام والنيل منه، لاسيما بعدما أُفسح المجال على شاشات التلفزيون لبعض الأصوات المتطرفة الغوغائية في اليمين الأميركي التي راحت تنفث سمومها دون رقيب، أو حسيب، مهددة بذلك اللحمة الوطنية والانسجام المجتمعي. وبتصعيد اللهجة ضد الإسلام وبناء المسجد يعمل اليمين على استغلال وتأجيج مشاعر الخوف لدى بعض الأميركيين المتضررين من الأزمة الاقتصادية متناسيّاً أثر ذلك على صورة أميركا في العالم ومكانتها وعلاقاتها المتميزة مع العالم الإسلامي بعد المحاولات الحثيثة التي بذلت للتقرب إلى المسلمين وتهدئة مخاوفهم من السياسات الخارجية الأميركية. وقد لا نبالغ إذا قلنا إن الحملة الحالية المناهضة للمسلمين تتجاوز في تأثيرها السيئ على سمعة أميركا فضحية سجن أبو غريب ومعتقل جوانتانامو مجتمعين. وما نحتاجه اليوم لتجاوز هذه اللحظة المخجلة من تاريخنا هو الرد على أمثال "جنجريتش" و"بالين" و"وكورينز" وغيرهم ممن أساءوا إلى المسلمين في الفترة الأخيرة، والتأكيد على قيم التسامح والانفتاح باعتبارها قيماً أميركية تشمل المواطنين جميعاً مسلمين وغير مسلمين .
-->

عن الكاتب: جيمس زغبي
·         حاصل على درجة الدكتوراه في الأديان من جامعة تمبل.
·         كلفته الإدارة الأميركية عقب اتفاقات أوسلو بقيادة جمعية "البنائين من أجل السلام"، وهي جمعية خاصة تهدف إلى زيادة الاستثمارات الأميركية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
·         منخرط في العديد من أنشطة الأميركيين من أصل عربي.
·         مؤسس ورئيس المعهد العربي – الأميركي بواشنطن.
مع الزمن
عالمات» أندونيسيا
د. هتون أجواد الفاسي
-->
من أكبر دولة إسلامية أكتب إليكم بعض تأملاتي حيث أمضي بضعة أيام مكثفة العمل في مشروع نسوي إسلامي يجمع ست عشرة دولة. هل لنا أن نتخيل أن غالبية المسلمين هم في الواقع خارج جزيرة العرب، بل وخارج البلاد العربية أجمع، وأكثر، أن مسلمي هذه الدولة أكثر من مجموع سكان العالم العربي الذي يبلغ مائتي مليون في حين أن مسلمي أندونيسيا يبلغون 217.5 مليوناً ، ويمثلون 87% من عدد السكان؟
استغرق الوصول إلى أندونيسيا عشر ساعات تقريباً، وأخذت أتفكر، كيف أمكن لهذا المكان القصيّ أن يصبح أكبر مكان لتجمع المسلمين في العالم، بل كيف وصله الإسلام وكيف قطعوا كل هذه المسافة التي لا شك كانت تستغرق شهوراً وربما سنوات باختلاف الوسيلة؟ ولكنهم وصلوا ثم حدث أن جذب دين هؤلاء التجار السكان المحليين واستحسنوه واعتنقوه بكل إصرار. إنني أراه أمراً معجزاً، على مستوى الوصول والتأثير والاستمرارية، وعلى مستوى السلاسة التي جرى بها هذا التحول لاسيما بالمقارنة بما يجري في الوقت الحاضر من الإكراه في الدين.
بلاد جميلة ممتدة على مد البصر تأسرك من الطائرة بجزرها المتكومة على رؤوس جبال تغطيها مياه البحر متدرجة في ألوانها من القمة التركوازية إلى العمق الداكن كلما ابتعدنا عن مركز الدائرة. ثم تمتد البيوت على مد النظر بقرميدها الأحمر المدبب ليتحمل الأمطار التي لا تتوقف عن مدنها غالبية أيام السنة من دور واحد في الغالب، جعلتني أتساءل كيف يمكن لهذه الجزر أن تستوعب هذه الملايين وبيوتهم ما زالت على دور واحد؟ ويبدو أن عجلة التحديث والأبراج المتعالية بدأت تأخذ طريقها إلى قلب المدينة جاكرتا ولكني لم أشاهدها لإكمالي السفر جنوب شرق إلى يوغياكارتا. وهذه الأخيرة هي المركز الثقافي لجزيرة جاوة التي يتجمع بها عدد من الجامعات الحكومية وعشرات من الخاصة ويصل عدد سكانها عشرة ملايين. وقد أدى هذا إلى أن تحمل المدينة شعار التعددية الثقافية والعرقية لاستقبالها الأندونيسيين من كل الأطراف. وعندما نتحدث عن التعددية فهو أمر من الصعوبة تصوّره ونحن نعيش في دولة من لغة واحدة، بينما هنا نتحدث عن 740 لغة وعشرات الأديان ستة منها فقط تُعد رسمية. والدولة أصبحت ديمقراطية في العقدين الأخيرين لكن يحكم هذه المدينة سلطان كمكافأة لهذه السلطنة التي كان لها تاريخ مشرف في التصدي للاستعمار الهولندي. وهي السلطنة الوحيدة الباقية من العهد الملكي لكنها مندمجة في النظام السياسي للدولة. وقد كانت لنا فرصة الدعوة على حفل عشاء خاص بالعالمات وضيفاتهن من قبل السلطان وزوجته تكلل بعرض فني تقليدي على تخت موسيقي ضخم على امتداد القاعة المفتوحة والعازفين جلوس على أرض ذات مستوى مرتفع كمسرح باتساع الحديقة التي جرى فيها الحفل.
والملفت للنظر بالإضافة لجمال الطبيعة والتي مازلت لم أشاهد منها الكثير بعد، أنك تجد الثراء في الصناعات المحلية والفنون الجميلة مثل فن الباتيك والحفر على الخشب الذي يتطور بشكل كبير بحيث تجد الباتيك في كل صغيرة وكبيرة من المستخدمات اليومية. وهناك فنون أخرى تجدها منعكسة في المطبخ الأندونيسي الذي أرى أن ما نعرفه عنه في السعودية هو مجرد الفتات. ونظراً لأنني لا أخشى تجربة الجديد فكل يوم أخوض تجربة ممتعة في اكتشاف أطعمة ذات مذاقات غريبة لكنها جذابة.
التجربة الممتعة الأخرى كانت في التعرف والالتقاء بمفكرات أندونيسيات وناشطات في العمل النسوي والاجتماعي. وخبرتي تتصل بمنظمة "عالمات" وهي تحالف من أربعين منظمة نسائية، قامت بتنظيم اللقاء بالتعاون مع حركة "مساواة" الدولية المستقرة في ماليزيا، والتي استطاعت أن تقدم لنا الوجه المشرق والمشرف لنساء أندونيسيا، فجلّهن ما بين أستاذات جامعيات مختصات في الدراسات الإسلامية أو القرآنية أو الاجتماعية أو محاميات أو ناشطات اجتماعيات وغير ذلك.
كنت أتأمل وأنا أسير في طرقات يوغجا كما يحبون أن يطلقوا عليها، الحياة المشتعلة في كل مكان رجالاً ونساء، السيارات والدبابات، والرشكا (عربة يقودها سائق على دراجة) والحناطير، المشاة، الطلبة، الشباب، كل الصور والأشكال والفئات تبني هذه الدولة الضخمة، بينما نحن مسجونون في قالب واحد عن أندونيسيا، "العمالة المنزلية".
من الصعب تخيل الشعب الأندونيسي المفكر والعالم والنساء الطبيبات والمهندسات والمحاميات وأستاذات الجامعة والفقيهات. ومن الصعب تخيل عائلات العاملات المنزليات وهن في بيئتهن الطبيعية يقمن بأدوارهن الطبيعية بكل حرية وثقة في إطار لغتهن وثقافتهن التي نُتأتئ بها بدورنا ونحن نتهجى حروفها ليفهم علينا سائق التاكسي إلى أين نذهب.
أتذكر التذمر من صعوبة التعامل مع العاملات لعدم إتقانهن لغتنا وأقول سبحان الله على الكِبر الذي يصيب بعضنا أحياناً وأدعوه أن يغفر لنا ويصفح وينور بصرنا وبصيرتنا.
ورمضان مبارك على الجميع.
http://www.alriyadh.com/2010/08/08/article550016.html

هل يسير أكبر حزب إسلامي إندونيسي في طريق الانفتاح؟

بيرنهارد بلاتزداش
ورد في أحد التعليقات على إحدى المدونات كلام عن قرار اختيار حزب الرفاه والعدالة في إندونيسيا جعل أحد فنادق جاكارتا الفخمة مقراً لقمة قومية تم عقدها في الفترة الأخيرة '' أن ذلك سلوك نظيف، ومهتم، ومهني، ولكنه بعيد عن التواضع''. وكان الفندق المعني بذلك هو رتزكارلتون الذي كان أحد هدفي تفجيرات القنابل في تموز (يوليو) من عام 2009. والجدير بالذكر أن هذا هو أكبر الأحزاب الإسلامية في إندونيسيا، كما أن شعاره هو ''نظيف، ومهتم، ومهني''.
مما لا شك فيه أن هذا الحزب قطع أشواطاً طويلة من التطور منذ بداياته المتواضعة في عام 1998. وقد زادت تكاليف المؤتمر المذكور على مليون دولار أمريكي، كما يشارك فيه أربعة آلاف من أعضاء الحزب. وكان الموضوع الرئيس لهذا المؤتمر هو ''الانفتاح السياسي'' للحزب، حيث هناك تركيز على أن ''هذا الحزب للجميع''. وكان من بين المتحدثين في المؤتمر سفير الولايات المتحدة، وأستراليا. وتمت كذلك دعوة عدد من الشخصيات غير الإسلامية البارزة لحضور جلسات المؤتمر.
لقد جرى النظر إلى اختيار مقر المؤتمر في فندق قي خمسة نجوم، وتقديم شعار''الانفتاح السياسي'' للحزب، بالكثير من السخرية، والتعجب. غير أن ذلك لا يمثل سوى استمرار لاستراتيجية هذا الحزب منذ أيامه الأولى، وتطلعاته لكي يكون الحزب الأكبر. وكان قد حقق ما نسبته 1.36 في المائة من أصوات الناخبين في انتخابات عام 1999، ليحقق بعد ذلك قفزة كبرى تمثلت في حصوله على نسبة 7.34 في المائة من الأصوات في انتخابات عام 2004. وحين لم ينل الحزب سوى 7.88 من أصوات الناخبين في عام 2009، فإن ذلك كان بمثابة إشارة لمسؤوليه بأنه يمر في مرحلة من الإشباع.
كان اختيار مقر المؤتمر في الوقت ذاته دليلاً آخر على أن هذا الحزب لم يعد ذلك الحزب الذي يضم عدداً من الطلبة من شديدي الطموح قبل أكثر من عقد من الزمن. وبما أن هذا الفندق يمتلكه أمريكيون، فإن اختياره يشير إلى أن هذا الحزب ينأى بنفسه عن التصرفات التي تتم باسم الدين الإسلامي. وأما شعار ''الانفتاح السياسي''، فإنه يمثل الابتعاد الأشد وضوحاً عن كون الحزب يعتنق الأفكار الدينية المتشددة، ويضم مسلمين غير قادرين على التعامل مع أتباع الديانات الأخرى.
وقد صرح حلمي أمين الله، رئيس المجلس الديني لهذا الحزب، بأن التعددية هي بمثابة ''هبة من الله، وأن هناك تعددية، وليس هناك تطابق''. وعلى الرغم من أنها ليست المرة الأولى، فقد أكد الحزب دعوته إلى ضم أعضاء من غير المسلمين في صفوفه. ويعني ذلك أن التوجه نحو مزيد من الانفتاح أصبح عقيدة راسخة لدى زعماء الحزب، ولدى كثير من النخب في العاصمة الإندونيسية، جاكرتا. من المحتمل أن يؤدي هذا التوجه إلى رد فعل عكسي بسبب المقاومة الشديدة من جانب عدد من المتعصبين إسلامياً في المجالس المحلية لهذا الحزب، إذ من المتوقع أن يتخلى كثير من هؤلاء عن الحزب. وكان الحزب في سنواته الأولى موحداً بصورة قوية حول استراتيجيته السياسية، وأهدافه العقائدية. غير أن عضوية هذا الحزب توسعت، فكان من الطبيعي أن يصبح أكثر ميلاً نحو التعددية. وإن المعارك الداخلية بين الإسلاميين المتشددين، وغيرهم من المتحررين ظاهرة طبيعية في العام العالمي الإسلامي، بما في ذلك حزب عموم ماليزيا الإسلامي.
وفي الوقت الذي يثير فيه هذا التوجه صراعات داخلية، فإنه قد يجعل الحزب قادراً على تخطي نسبة الحصول على 10 في المائة من الأصوات لكي يحق له المشاركة في البرلمان، وجعله أحد أكثر ثلاثة أحزاب في البلاد، حيث كان ترتيبه الرابع بينها في انتخابات عام 2008. وأما مسألة تحقق ذلك، فتعتمد على مدى أصالة التحول في التوجه الرئيس لهذا الحزب، والمحافظة على ترابط أعضائه، وعلاقاتهم بالجمهور العام.
لقد كان موقف الحزب من التعددية الدينية بالغ الغموض في الماضي. وكان من بين أهم شروط العضوية القبول بهدف الحزب المتمثل في إعادة مسلمي البلاد إلى التمسك القوي بالدين. وتسبب هذا التوجه صراعات دينية متعددة مع كثير من الأحزاب الأخرى. ويعرف الخضوع إلى أفكار الآخرين، بأنه الغزو الفكري، أي انتشار أفكار الآخرين في العالم الإسلامي. ويدخل كل ذلك في صراع العقائد على المستوى العالمي. وكان أهم دعاة ذلك هو سيد قطب، مُنظر الإخوان المسلمين. وكان أعضاء هذا الحزب يرون في سنواته الأولى أن بعض اليهود، والنصارى، والملحدين كانوا يهدفون إلى هدم الشخصية الإسلامية، وإبعاد المسلمين عن دينهم. وكانت فكرة تدمير الإسلام تنسب في بدايات الحزب إلى ثقافات أخرى، كالثقافة الغربية، وكان دعم وحدة الفكر بين أعضاء الحزب هو الضمانة لمقاومة الغزو الفكري الأجنبي لديار المسلمين.
وكان هذا الحزب يروج بقوة في الماضي لمثل هذه الأفكار، ولعدد من الأفكار التي تنضوي تحت مبادئه. وبينما كانت كوادر الحزب تؤمن تماماً بفكرة مقاومة الغزو الفكري الخارجي، استطاعت القيادات وضع حد لكثير من الخلافات والنزاعات الداخلية، ودعت على الدوام إلى التفاهم مع الآخرين، وتقديم التنازلات حين يكون من المناسب ذلك. وقد أبلغ الأمين العام للحزب، أنيس متى، كاتب هذا المقال '' أننا حين كنا نشدد على أهمية مقاومة الغزو الفكري، حرصنا على تشجيع فهم الآخرين، والتحاور معهم''. وأضاف '' حتى حين يكون لديك شعور بالحرب، فإنك تحتفظ بقدرة على الحوار مع الآخرين في الوقت ذاته. وهذا الأمران ليسا متناقضين بالضرورة''.
من المتوقع أنه في الوقت الذي تستمر فيه قيادة الحزب في توجيه مزيد من الإشارات نحو الانفتاح، والحداثة، فسيظل هنالك حرص شديد على الهوية الإسلامية للحزب. ومن أمثلة ذلك أن قادة الحزب أيدوا بقوة القوانين التي تحرم عرض المواد الجنسية، حيث وصفوها بأنها ''منحة مقدمة من المجتمع الإسلامي''. وكانت هناك جلسات في مؤتمر هذا العام لم يسمح فيها بالمشاركة لغير أعضاء هذا الحزب. وتظل هذه الاعتبارات قائمة، كما أن الحزب يظل حريصاً على التخندق في المعسكر الرافض للفكر الغربي. وإن وجود شعارات كثيرة، مثل مقاومة الغزو الفكري، ستكون بمثابة تحديات كبيرة للحزب في محاولة الظهور أمام الأطراف الأخرى بأنه يتوجه من الناحية الفعلية، وبصورة جادة، نحو المزيد من الانفتاح والتحرر.
خاص بـ ''الاقتصادية''
http://www.aleqt.com/2010/08/15/article_429880.html