الأحد، 10 نوفمبر 2013

اندونيسيا: مسجد في كل مصنع ومصلى في كل مؤسسة وأئمة لنصح العمال

هكذا نجح هذا البلد في تطويع التكنولوجيا لخدمة الإسلام

اندونيسيا: مسجد في كل مصنع ومصلى في كل مؤسسة وأئمة لنصح العمال

عبد الناصر/ أندونيسيا
أحد المساجد بأندونيسيا
أحد المساجد بأندونيسيا
صورة: (مبعوث الشروق )

 خطبة الجمعة بالعربية و7000 طالب أندونيسي في الأزهر الشريف

Decrease font Enlarge font
يحق للمسلمين الآن، أن يفتخروا ببلد ينافس عالميا، ضمن عمالقة الصناعة والاقتصاد، بلد طوّع التكنولوجيا التي تمكن منها، في خدمة الإسلام وتبييض صورته التي تشوّهت في الكثير من الأمصار، فصار نموذجا لبلد أصبح فجأة على فاجعة نفاد النفط، فأعلن ثورته الصناعية والزراعية الكبرى التي عوضت النفط، فاستثمر في إمكاناته الدائمة، وقفز إلى مجموعة العشرين دولة كبرى في العالم، وهو حاليا قاب قوسين أو أدنى من أن يصبح ضمن العشرة الكبار.

عندما تدخل مدنا مثل جاكارتا أو سامارونغ أو جابارا أو سورا بايا، تحاصرك ناطحات السحاب، وأيضا المساجد البديعة في هندستها، حتى دخلتْ بيوت الله ضمن المشاريع الاقتصادية الكبرى، فوجود المسجد قرب المواطن العامل وأيضا المواطنة الاندونيسية العاملة، هو الذي يمنحهم الطمأنينة الروحية، ويقيهم من تأخير الصلاة، أو التنقل إلى مكان بعيد لتأديتها، وحتى بعض الأمريكيين والفرنسيين والإيطاليين الذين باشروا استثمارات سياحية وصناعية في أندونيسيا، بنوا للعمال وللعاملات أيضا مصليات ومساجد، إيمانا منهم بأن المسجد دافع للعمل وليس معطلا له.
وتنفرد أندونيسيا عن كل الدول الإسلامية، في إنجاز مساجد تقام فيها صلاة الجمعة، خاصة أن أندونيسيا لأسباب اقتصادية ومالية بحتة، رفضت تحويل العطلة الأسبوعية إلى يوم الجمعة، وأبقتها يومي السبت والأحد، و ترى الجمعة يوما للصلاة وأيضا للعمل، ولا يكاد منظر الوافدين على المساجد يظهر للعيان بسبب التواجد القوي للمساجد في كامل أندونيسيا، رغم التنقل الكثيف للعمال ذكورا وإناثا للصلاة في المسجد الداخلي، وتجد اللغة العربية مكانتها بقوة ضمن اللغات في اندونيسيا، رغم التواجد القليل جدا للجاليات العربية، فحسب السفير الجزائري في اندونيسيا الذي التقته الشروق اليومي في مقر إقامته في جاكارتا، فإن عدد الجزائريين في كل من أندونيسيا وسنغافورا ومملكة برونيه لا يزيد عن مئة شخص، غالبيتهم من الطلبة، ومع ذلك لا يحسّون بالغربة اللغوية التي يجدونها في بلدان إسلامية غير عربية، مثل باكستان وتركيا والبوسنة والهرسك وإيران وماليزيا، فالأندونيسيون يعتمدون على لغتهم الاندونيسية أولا، ولكن العربية موجودة كتابة ونطقا في المساجد وفي مؤسسات أخرى، إذ إن كل المصاحف الموجودة في المساجد، ومنها مسجد الاستقلال في جاكارتا أكبر مسجد في جنوب شرق آسيا هي بالعربية. ويُقسم أئمة الجمعة الخطبة إلى جزءين، أولهما يخص العقيدة، حيث يكون مليئا بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة والمواعظ، ويكون باللغة العربية الفصيحة، وجزء من النصائح الإسلامية والتعريج على سيرة الرسول الكريم يتم خلاله استعمال اللغة الأندونيسية. 
ولا يمكن أن تجد مؤسسة تعليمية أو تجارية أو محطة بنزين لا يوجد بها مصلى للجنسين، وأجمل ما يوجد في المدن الاندونيسية، أن المراكز التجارية العالمية والمطاعم الكبرى والفنادق الفخمة من السلسلات الشهيرة، مثل كارفور وماكدونالد ونوفوتيل، توجد بها مصليات كبرى تسير بنظام باهر، من أماكن حفظ الأحذية يتم تسيير بعضها بالمعلوماتية، ويقبل عليها الزبائن ومسؤولي هاته المؤسسات، والأمر يلاحظ في الفنادق السياحية بالخصوص، حيث لا يمكن أن تدخل غرفة في أي فندق من دون أن تجد إشارة لاتجاه القِبله، إضافة إلى وجود مصحف مترجم للغة الإنجليزية، وتحوّل بذلك إقامة الصلاة شبه إجباري في حقول الأرز ومصانع البواخر والطائرات، وفي المطارات، في بلد الربع مليار نسمة الذي يتبع مسلموه المذهب الشافعي. 
الأندونيسيون يرسلون أبناءهم لدراسة الشريعة في مختلف البلدان الإسلامية، حيث يتواجد حاليا في جامعة الأزهر في القاهرة فقط قرابة 7000 طالب أندونيسي، إضافة إلى طلبة في المملكة العربية السعودية والمغرب، ولكن في الجزائر تراجع الرقم، فبعد أن كان الاتفاق بين البلدين، على تواجد عشرة طلبة أندونيسيين في الجامعة الإسلامية الأمير عبد القادر بقسنطينة في كل سنة جامعية، مقابل تكوين طلبة جزائريين في جامعات جاكارتا، ولكن الجزائر تراجعت عن الاتفاقية، ويوجد حاليا طالبان فقط يحضران لشهادة الدكتوراه في الشريعة، كما توجد جامعات إسلامية في كامل المدن الاندونيسية، وهو ما يجعل الفتوى والعلوم الإسلامية لا تطرح أية مشكلة في كامل البلاد التي نسفت الفتن، والجدل حول التعاملات البنكية، وهلال رمضان، والشئون الاجتماعية نهائيا، وغالبية الصحف الأندونيسية تخصص صفحات للشأن الإسلامي والفقه والفتوى.
وموازاة مع التطوّر الصناعي الكبير، حيث تُصنع اندونيسيا كل شيء من الإبرة إلى الطائرة والباخرة، واكتفاء البلاد ذاتيا، زراعيا والانتقال إلى تصدير منتجاتها إلى القارات الخمس، تحوّلت أندونيسيا إلى واحدة من أكبر مواطن السياحة في العالم، خاصة أنها تفتح معابد الزمن الغابر، التي تعود إلى الهندوس والبوذيين، لكن على خلاف ما يحدث في أماكن أخرى مثل أهرامات الجيزة في القاهرة، أو بابل في بغداد، فإن الأندونيسيين قاموا بعمل حضاري، سنّوا خلاله إقامة مصليات يتوضأ فيها السائح ويؤدي ركعتين جماعة، حتى يدخل مؤمنا بالله وبرسالة خاتم الأنبياء إلى معابد هندوسية أو بوذية، خاصة أن ملايير البشر مازالوا يتبعون هاتين الديانتين اللتين مرتا قبل دخول الإسلام عبر أندونيسيا، فشيدت معابدها وحضارتها، ولم يمسس آثارها الأندونيسيون بسوء.
   
 وضوء وركعتان جماعة قبل زيارة معابد الهندوس والبوذيون
يوجد في اندونيسيا خمس ديانات تزاحم الإسلام بين سماوية ووثنية، لكن الفتنة غائبة تماما، ويبقى الإسلام سيدا، بسبب التزام المسلمين بدينهم من خلال تفانيهم في العمل، واحترامهم للآخر وأخلاقهم الفاضلة، ضمن طبيعة الإنسان الأندونيسي المسالم الذي لا تكاد تسمع صوته، إلا همسا، وتواجده إلا خيالا، معتكفا في أداء عمله الدنيوي وإتقانه واحترام ما يحيط من حوله من إنسان وحيوان ونبات.
وبالرغم من حالات الفساد الأخلاقي الظاهرة للعيان، خاصة في مدينة سامارانغ، والتي ولّدها الفقر أحيانا، والتواجد الصيني أو الهولندي في الكثير من جزر البلاد، إلا أن قوة المسلمين في أندونيسيا تكمن في طريقة التعامل مع هاته المظاهر، فلا أحد يعنيه انحلال الآخرين أو الأخريات أخلاقيا، وإذا سنحت له الفرصة يقدم نصيحته بالتي هي أحسن، والناس عموما مسلمون أو غيرهم، لا يشغلهم إلا عملهم، ولا يلتفتون إطلاقا لغيرهم، حيث يقدم المجتمع الأندونيسي نموذجا من التعايش نادر الوجود، بسبب حِلم المسلمين الذين هم الأكثرية، بأزيد من مئتي مليون مسلم، وتعاملهم الطيب مع الآخرين، وهو ما جعل أندونيسيا من أكبر بلاد العالم التي يعتنق فيها الأفراد من ديانات أخرى الدين الإسلامي، ونادرا ما يرتد المسلم الاندونيسي عن دينه ويختار ديانة أخرى، ولا يقتصر الحال على هندوس أندونيسيا والبوذيين والمسيحيين، وإنما زوار وسواح البلاد الذين يختارون الإسلام بعد أن يجدوه في أحلى حلّة، مجسدا في أخلاق مسلمي أندونيسيا.
في المساجد الأندونيسية الكثيرة، تسحرك هندسها المتنوعة من مدينة إلى أخرى، مساجد بديعة مكتلة البنيان، كل شيء منظم، من مكيفات ومرشات الوضوء وأماكن ركن السيارات، والدراجات النارية التي هي وسيلة النقل الأولى، وحتى للحافلات، ولا يوجد إلا حاجز قصير بين مكان صلاة الرجال والنساء، من دون حدوث أي تجاوزات أخلاقية، بدءا بغض البصر الذي يلتزمه الأندونيسيون في المساجد، وفي كل مكان، والمؤذن في اندونيسيا ملتزم بتقديم أدعية بعد إعلانه الأذان، كما أن الدروس الدينية تقدم بشكل كبير، ويحضرها الملايين الذين يطلبون الدين، وهم مقتنعون بأن التفقه في الدين، هو من يمنحهم القوة في حروبهم الحياتية من أجل لقمة العيش، ويبقى الحج هو مبتغى الجميع، أما في الأعياد الدينية، فإن التقوى هي التي تقدم الاندونيسي بعيدا عن "بهرجة" التباهي التي تسيطر على احتفالات بعض المسلمين، فالكل يضحي، ولكن من دون أن تشاهد الخرفان تجوب الشوارع، والكل يصوم، ولكن من دون تدافع على محلات الفاكهة والحلويات، ماعدا اقتناء التمر وأخذ أربع حبات أو خمس بعد رفع أذان المغرب.
كثيرون يقولون إن الذي يريد أن يعيش الإسلام الحقيقي عليه بزيارة اندونيسيا، لكن الحقيقة أن الذي يزور اندونيسيا سيرى الدين والدنيا معا، وسيعلم أن المسلمين مازالوا بخير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق