السبت، 19 فبراير 2011

جنوب شرق آسيا يحمل لمصر دروسا وتحذيرات

18/2/2011م

مانيلا - من جون مير ونيل تشاترجي "العرب اونلاين" - فجأة أجبر دكتاتور حكم لنحو 30 عاما بدعم من الولايات المتحدة على التنحي ويتطلع الشعب الحريص فيما يبدو على التخلص من قيود الحكم الشمولي الى تبني الديمقراطية.

وفيما تتطلع مصر الى التحول الديمقراطي تظهر تجربة الفلبين منذ الإطاحة بفرديناند ماركوس عام 1986 واندونيسيا منذ إسقاط سوهارتو عام 1998 أنه في حين أن الثورات تختلف عن بعضها البعض كل الاختلاف فإن عملية الانتقال وعرة وهشة ويمكن أن تستغرق عقودا.

وقال بوب برودفوت من مؤسسة "بوليتيكال اند ايكونوميك ريسك" للاستشارات "في رأيي المهم هو ان الفلبين واندونيسيا على الاخص تظهران أنك تستطيع القيام بالأمر بطريقة صحيحة وبعد أن يبدأ الإصلاح بعيدا عن الزعيم المستبد الذي حكم كل هذه السنوات الكثيرة... ليس بالضرورة أن يقع هذا "الحكم" في أيدي جماعة أصولية او جماعة متطرفة."

وأضاف "مهما بلغت فوضوية العملية فإن هذا يمكن أن يأخذهم الى طريق نحو نظام اكثر ديمقراطية."

ويعتبر كثيرون أن اندونيسيا نموذج افضل للانتقال في مصر باعتبارها دولة إسلامية نأت بنفسها عن المتشددين وبسبب التقدم المبكر الذي أحرزته في تطوير وتقوية اقتصادها ومؤسساتها.

واستطاعت الفلبين واندونيسيا إخراج الجيش من الساحة السياسية وهي قضية مهمة لمصر حيث سمح الجيش للمحتجين بالتجمع.

وقال كيفين اورورك استشاري المخاطر السياسية في جاكرتا "حصلت مصر على دعم اكبر من الولايات المتحدة وهي تحتل موقعا استراتيجيا مهما في الشرق الأوسط وبالتالي يصعب هذا الأمر على مصر."

وأضاف "في اندونيسيا تشرذمت النخبة السياسية وبالتالي تم الاتفاق على إجراء انتخابات. الوضع مختلف في مصر حيث سلم مبارك السلطة للجيش الذي لم يظهر قدرة قط في إجراء الانتقال خاصة في الشرق الأوسط... الأساس حقا هو أن تكون هناك "إدارة" مدنية مؤقتة تقود الى إجراء انتخابات."

وتوفر الفلبين بعض الدروس التي تدعو للحذر بالنسبة لمصر واندونيسيا على حد سواء. كان إسقاط ماركوس سلميا "بقوة الشعب" عام 1986 ثوريا في حد ذاته اذ جاء قبل سقوط الشيوعية في اوروبا لكن البلاد فشلت في استغلال الفرص التي أتيحت لها.

وتظهر تجربة آسيا أن من الضروري لأي ديمقراطية جديدة أن تحافظ على دوران عجلة الاقتصاد ويعني هذا أنه قد يكون على الزعماء الجدد التعاون مع من استفادوا من النظام الذي أطيح به او الذين كانوا جزءا من بطانته.

واحتفظ كثيرون ممن جمعوا ثروات او اكتسبوا نفوذا في عهد ماركوس وسوهارتو بما جنوه. علاوة على ذلك باءت محاولات تعقب الثروات الهائلة التي كونها الحكام المستبدون بالفشل.

وقال برودفوت الذي كان في مانيلا عام 1986 "النخبة الفلبينية أبلت بلاء حسنا حين دافعت عن وضعها. قلة منهم ويشمل ذلك عائلة ماركوس عانت فعلا من الانتقال بعيدا عن رئاسة ماركوس."

في عام 2011 أصبحت أرملة ماركوس عضوا بالكونجرس الفلبيني واحدى بناته حاكمة إقليمية اما ابنه فرديناند فهو عضو بمجلس الشيوخ الفلبيني ويسري الحديث عنه كمرشح محتمل للرئاسة في المستقبل.

ويتجه احد ابناء سوهارتو وهو هوتومو ماندالا بوترا الذي يشتهر باسم تومي الى أن يصبح مرشحا في انتخابات الرئاسة القادمة باندونيسيا.

وفي غياب النمو الاقتصادي يتزايد الغضب الشعبي حتى بالنسبة للحكام المستبدين. وكانت تداعيات الأزمة المالية في آسيا عامي 1997 و1998 هي التي ساعدت في إسقاط سوهارتو وقد كان الاقتصاد أيضا شرارة الاحتجاجات بمصر وغيرها.

وقال اندرو مكينتاير عميد كلية آسيا والمحيط الهادي بالجامعة الوطنية الاسترالية "من مصلحة الأمة وآفاق الديمقراطية أن ينجح الاقتصاد."

وأضاف "اذا لم يكن أداء الاقتصاد جيدا فإن الديمقراطية سترزح تحت ضغط عاجلا وليس آجلا."

والمسألة ليست مجرد رقم يدل على النمو بل يجب أن يحصل الشعب على نصيب من فوائد النمو وهو أمر تحتاج مانيلا الى تحسينه.

ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بالدولار في اندونيسيا أعلى منه في الفلبين اذ بلغ 2349 دولارا مقابل 1752 دولارا عام 2009 وفقا لبيانات البنك الدولي. وفي عام 1996 كان نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي متساويا في الدولتين لكن منذ ذلك الحين تضاعف الرقم في اندونيسيا بينما ارتفع في الفلبين مرة ونصف.

وتظهر أرقام البنك الاسيوي للتنمية ايضا أن الفلبين هي الدولة الوحيدة بجنوب شرق أسيا التي تسجل زيادة في عدد الفقراء منذ عام 1990 كما جاء معدل خفض الفقر بها في عام 2008 في مركز متأخر عن اندونيسيا.

وأعاقت المخاوف الأمنية قدرة الدولتين على الجذب السياحي. والسياحة مصدر رئيسي للوظائف والدخل في عقد شهد ازدهارا للقطاع في أجزاء أخرى من اسيا.

وفي ظل اعتماد مصر على السياحة في عشر ناتجها المحلي الإجمالي فإنه سيكون من المهم أن تتجنب العنف العرقي والطائفي الذي شهدته اندونيسيا في الأعوام الأولى من الديمقراطية وأن تتفادى محاولات الانقلاب المتكررة وحركات التمرد المستمرة في الفلبين.

ومع اقتراب الذكرى الخامسة والعشرين لإسقاط ماركوس تتعشم الفلبين في التجديد تحت قيادة الرئيس بنينو اكينو ابن كوري اكينو التي حلت محل ماركوس عام 1986 بعد إدارتين أحاطتهما مزاعم بالفساد وسوء الإدارة.

في عام 2010 احتلت الفلبين المركز 134 من جملة 178 دولة على مؤشر الفساد في حين احتلت اندونيسيا المركز 110 ومصر المركز 98 .

وفي عام 1998 حين وضع المؤشر لاول مرة من 85 دولة احتلت الفلبين المركز 55 متقدمة عن مصر "66" واندونيسيا "80".

وقال مكينتاير "بعض الأخبار السيئة او الحقيقية هي أن الانتقال الى الديمقراطية يصاحبه عادة انتشار الفساد وليس تراجعه."

ويرجع هذا الى الحاجة الى "إقناع" عدد كبير جدا من الناس وليس سلطة مركزية ولا تكن الأنظمة القانونية قوية بعد اي نظام شمولي.

وعلى مؤشرات الحوكمة العالمية التي تشمل التعبير والمحاسبة والاستقرار السياسي وكفاءة الحكومة وجودة التنظيم وسيادة القانون والسيطرة على الفساد تراجعت الفلبين بين عامي 1998 و2009 في حين تحسنت اندونيسيا في جميع المؤشرات.

وفي حين فشلت اندونيسيا والفلبين في القضاء على الفساد عالي المستوى او منخفض المستوى فإنهما أحرزتا تقدما فيما يتعلق بتطوير آليات لمراقبة إساءة استخدام السلطات من خلال المجتمع المدني ووسائل الإعلام التي تتمتع بحرية نسبية.

وكان نجاحهما نسبي في الحفاظ على التناغم بين الجماعات العرقية والدينية المختلفة في غياب دكتاتور قوي مع وجود حركات انفصالية في اقليمي مينداناو وبابوا وجماعات متشددة تشن هجمات إرهابية في العاصمتين.

لكن الفلبين واندونيسيا تماسكتا افضل من يوغوسلافيا او العراق. وربما الأهم هو أن كلا الشعبين احتفظ بشعور ما بعد الثورة وهو أن الديمقراطية حق من حقوق الانسان. "رويترز"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق