السبت، 19 فبراير 2011

أثر منع البنوك التقليدية من تقديم منتجات وخدمات متوافقة مع الشريعة

د.صلاح بن فهد الشلهوب
كما نعلم أن مصرف قطر المركزي أصدر قرارا مفاجئا لكثير من المراقبين يتضمن منع البنوك التقليدية من مزاولة أنشطة فتح فروع أو قبول ودائع أو تقديم منتجات متوافقة مع الشريعة، مع إلزام هذه البنوك بجدول زمني ينتهي في كانون الأول (ديسمبر) 2011 لإيقاف فروعها القائمة التي تقدم منتجات متوافقة مع الشريعة، كما هو منصوص عليه في القرار المنشور في الموقع الإلكتروني لمصرف قطر المركزي.
الحقيقة أن هذا القرار رغم أنه كان بناءً على دراسة واجتماعات تنسيقية مع البنوك، إلا أنه كان مفاجئا لمن يتابع حركة ونمو المصرفية الإسلامية خلال الفترة الماضية التي تمثل عصرا ذهبيا للمصرفية الإسلامية بعد تحقيقها معدلات نمو غير مسبوقة.
هذا المقال لا يأتي كنوع من النقاش للقرار؛ إذ إنه يرجع إلى المصرف المركزي القطري وسياساته، لكن مثل هذا القرار كيف سينعكس على كثير من البنوك في المنطقة إذا ما كانت هناك بنوك مركزية أخرى قد تتخذ قرارا مشابها، خصوصا أن الكثير من البنوك التقليدية اليوم تقدم خدمات متوافقة مع الشريعة في مختلف دول العالم. والبنوك الكبرى العالمية مثل إتش إس بي سي، وسيتي جروب، أصبح لديها نوافذ واستثمارات لمنتجات تقدمها على أساس أنها متوافقة مع الشريعة.
مثل هذا القرار في هذه المرحلة له جوانب كثيرة سلبية وإيجابية على وضع المصرفية الإسلامية لا بد من الإشارة إليها، فمن إيجابيات مثل هذا القرار أنه سيجعل الفرصة أكبر للبنوك الإسلامية، حيث ستحد من منافسة البنوك التقليدية لها، خصوصا أن البنوك الإسلامية بوضعها الحالي ليس لديها مع البنوك التقليدية فرص متساوية؛ إذ إنه يمتنع عليها تقديم خدمات غير متوافقة مع الشريعة، وبالتالي ستنظر إلى أن فرصها في السوق أقل من البنوك التقليدية. كما أن هذه الآلية، وهي منع البنوك التقليدية من الاستثمار في التمويل الإسلامي، قد تساعد على ضبط عمليات البنوك بشكل أكبر، حيث إن إيجاد تشريعات تخص التعاملات الإسلامية لا يكون ملزما للبنوك التقليدية، حيث إنه وإن وقعت تجاوزات من قبل البنوك التقليدية في تطبيقات نوافذها الإسلامية، فإن هذا قد لا يوصف بأنه تجاوز منها؛ إذ إنها في الأساس لا تلتزم بأن تكون معاملاتها متوافقة مع الشريعة بإطلاق.
على الجانب الآخر نجد أن العالم اليوم أكثر انفتاحا في مجال الاستثمار، حيث إنه - كما سبق - توجد بنوك كبيرة عالمية تقدم منتجات على أساس أنها متوافقة مع الشريعة، وذلك من خلال الآلية التي تعمل عليها في الأساس البنوك الإسلامية من خلال دراسة هذه المنتجات من قبل هيئة شرعية قبل طرحها في السوق، وهذه هي السمة الأبرز من خلال التطبيقات الحالية التي تجعل المؤسسة المالية أو المنتجات توصف بأنها متوافقة مع الشريعة.
الأمر الآخر أن مثل هذا القرار سينعكس بشكل واضح على حجم النمو في التمويل الإسلامي؛ إذ إن نسبة لا يستهان بها من الاستثمارات في المصرفية الإسلامية عبارة عن أذرعة لمؤسسات مالية تقليدية، خصوصا فيما يتعلق بقطاع التجزئة، الذي غالبا ما يستهدف الأفراد، وهم الأكثر إقبالا على التمويل المتوافق مع الشريعة مقارنة بالشركات. وعند وضع الخيارات أمام المؤسسات المالية التقليدية بين أن تقتصر تعاملاتها على نشاطها الأساسي التقليدي أو التحول بالكامل إلى إسلامي، فالأقرب أن هذه المؤسسات ستفضل الإبقاء على تعاملاتها التقليدية، إلا إذا كانت هناك استراتيجية للبنك بالتحول بغض النظر عن مثل هذا القرار، فإنها بالتاكيد ستتحول إلى بنوك إسلامية.
من الآثار السلبية أيضا أن هذا سينعكس على فرص الأفراد في الحصول على ميزة التنافسية في المنتجات المتوافقة مع الشريعة، حيث إننا نعلم أن دخول المؤسسات المالية التقليدية كمنافس في قطاع التمويل المتوافق مع الشريعة أدى إلى انخفاض تكلفة التمويل بشكل ملحوظ، إضافة إلى التنافس في طرح المنتجات المختلفة والمتنوعة. إنه يفترض في الواقع فتح فرص أكبر لحرية الأسواق؛ إذ إن منع المؤسسات المالية التقليدية من تقديم منتجات متوافقة مع الشريعة تضييق عليها لا يتناسب مع ما ينبغي أن تكون عليه الأنظمة المالية من فتح الأسواق وتلبية احتياجات المجتمع من المنتجات والخدمات المالية وتنوع فرص الاختيار، إضافة إلى أنه الآن أصبحت هناك مجالات للاستثمار مثل الصكوك، إضافة إلى أنواع أخرى من فرص الاستثمار.
والخلاصة، أن التمويل الإسلامي في هذه المرحلة يحتاج بشكل أكبر إلى ضبط عملياته، وحوكمة أعماله ووضع معايير تشريعية ورقابية، ومنع المؤسسات المالية التقليدية من تقديم منتجات وخدمات غير متوافقة مع الشريعة لا أتصور أنه في هذه المرحلة يخدمها وإن كانت خيارا في المستقبل إذا ما وصلت المؤسسات المالية الإسلامية إلى مرحلة الرشد، خصوصا عندما نعلم أن معظم المؤسسات التي تقدم منتجات متوافقة مع الشريعة في أوروبا، بل حتى في العالم الإسلامي، هي مؤسسات مالية تقليدية؛ إذ إن المؤسسات المالية الإسلامية التي تقدم فقط المنتجات والخدمات المتوافقة مع الشريعة محدودة. وإذا كان مثل هذا القرار بُني على أساس وجود بعض التجاوزات، فإن الحل هو ضبط عمليات البنوك والرقابة عليها.
المصدر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق