د. عبدالله بن عبدالمحسن الفرج
لقد شرفنا الباري جلة قدرته بخدمة البيت الحرام. ولهذا فنحن نحرص على أن نؤدي واجبنا في هذا المجال على أحسن وجه. ومن يقارن الخدمات التي قدمتها المملكة لحجاج بيت الله الحرام خلال العشرين عاماً الماضية يلاحظ مدى القفزات التي أنجزت في هذا الميدان. فبعد توسعة الحرمين الشريفين التي بلغت تكاليفها 70 مليار ريال، والتي شملت أعمال الترميم وشق الطرق وإنشاء الجسور وحفر الأنفاق وتمهيد الجبال ومد شبكات الطرق والتصريف وإمدادات المياه وغيرها، أصبح بإمكان المملكة استقبال أكثر من مليوني حاج. فهذه الأعداد الغفيرة سوف تجد أمامها بنية تحتية متطورة تمكنها من أداء مناسك الحج في يسر وسلاسة خصوصاً بعد أن يكتمل تشغيل قطار الحرمين بكامل طاقته.
ورغم ذلك فإن البنية التحتية في مكة المكرمة والمدينة المنورة تحتاج إلى تطوير دائم. فإعداد الحجاج سوف يزداد بشكل مستمر. وما هو كاف لخدمهم اليوم سوف يصبح في المستقبل القريب عاجزا عن تحقيق ذلك. فعدد الحجاج والمعتمرين من المتوقع أن يرتفع من 12 مليون إلى 17 مليون خلال الخمسة عشر عاماً القادمة.
ولو كانت المملكة بلدا يعتمد على الضرائب لكان من الممكن تمويل البنية التحتية السياحية في المدينتين المقدستين وتطويرها بشكل مستمر بالاعتماد على الضرائب المتحصلة من المشاريع التي تكسب من تقديم خدماتها لضيوف الرحمن. فزوار مكة المكرمة والمدينة المنورة طوال أيام السنة هم، مثلما نعلم، ليس فقط مستهلكين للبنى التحتية وإنما منفقون للأموال من أجل تلبية متطلباتهم مثل السكن والمأكل والمشرب والأضاحي والهدايا وغيرها. فالإحصائيات تشير إلى أن عائدات السياحة الدينية هي الأخرى مرشحة خلال الخمسة عشر عاماً القادمة لأن تتضاعف عن المستوى الذي حققته هذا العام.
إذاً فباعتبارنا، والحمد لله، دولة غير ضريبية فإن تفكيرنا يفترض أن يتركز على الكيفية التي يمكن من خلالها تعظيم الفائدة الاقتصادية من السياحة الدينية. أو بمعنى آخر أن يكون لهذه السياحة أثره في نمو الناتج المحلي الإجمالي وتحسين ميزان مدفوعات المملكة. فالقطاعات التي من الممكن أن تستفيد من تقديم الخدمات لضيوف الرحمن متعددة. وأولها قطاع الإيواء الذي يشمل الفنادق والشقق المفروشة. فمن المهم أن يتطور هذا القطاع حتى يتمكن من تلبية الطلب المتزايد على السكن خصوصاً في مواسم الحج. فتطوير قطاع الإيواء من شأنه أن يساهم في زيادة العائد من ناحية والتخفيف من غلواء التضرب بأسعار الفنادق على حجاج بيت الله الحرام من ناحية أخرى. ولا يقل أهمية عن ذلك الاستثمار في تطوير مرافق السياحة الدينية كسكك الحديد ومترو الأنفاق. وكذلك تطوير مطار المدينة المنورة حتى ترتفع طاقته الاستيعابية التي لا تزيد في الوقت الراهن على 3 ملايين مسافر في العام.
وأنا هنا لن أتكلم عن القطاع التجاري. فاعتماد هذا القطاع على ترويج البضائع المستوردة بصورة كبيرة يقلل من القيمة التي يمكن أن يضيفها إلى الاقتصاد. أما القطاع الصناعي وخاصة شركات الصناعة الصغيرة والمتوسطة فإنه من الممكن تعظيم الفوائد التي تحصل عليها فيما لو تم وضع التدابير الأزمة لمساعدة هذه الفئة الصناعية على تطوير منشآتها ومنتجاتها التي تلقى رواجا من قبل الحجاج. فكما تفيد الاستطلاعات فإن حجاج بيت الله الحرام يتلهفون لشراء المقتنيات والهدايا لذويهم من المدينتين المقدستين مكة والمدينة. فهذه المقتنيات والهدايا التي نستوردها من مؤسسات صغيرة في الخارج ممكن أن نصنعها محلياً إذا ما وفرنا لمنشآتنا المشابهة لها البيئة والمناخ المناسبين. فاقتصاد الحج ممكن أن يشكل انطلاقة لنمو منشآتنا الصغيرة والمتوسطة. وهذه لعمري أمنية طالما حلمنا بها. فعسى أن تقود هذه المنشآت من مكة والمدينة انطلاقة اقتصاد غير معتمد على النفط ومتعدد المزايا النسبية. فهذا من شأنه حل العديد من القضايا التي طالما شقينا من أجل وضع حل لها مثل سعودة الوظائف. فذلك ربما يعوضنا عن خيبة الأمل التي حلت بنا جراء أداء فيلتنا الضخمة. وأعني بها مصانعنا الكبيرة التي لم تتمكن لا من رفع مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي بشكل ملموس ولا من لعب دور في تحسين هيكل ميزان مدفوعاتنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق