الأحد 06 فبراير 2011
تذكّر ثورة تونس العديد من الإندونيسيين على الأرجح بوضع بلدهم قبل 13 سنة عندما تم إسقاط سوهارتو، الذي حكم الدولة لمدة 30 سنة بعد سلسلة من الاحتجاجات في أعقاب الأزمة المالية التي عصفت بآسيا عامي 1997 و1998.
ويستطيع الإندونيسيون اليوم أن يقولوا بكل فخر إنهم يعيشون في ديمقراطية، يتم إبرازها أحياناً، إلى جانب تركيا، على أنها مثال ناجح للديمقراطية في دولة إسلامية.
لم يكن تحول إندونيسيا إلى الديمقراطية سلساً بشكل كامل، فقد تلطّخ بالعنف الطائفي وظهور الجماعات السياسية الإسلامية المتطرفة التي تتطلع إلى تطبيق ترجمة محافِظة للشريعة الإسلامية في الدولة، والعودة المحتملة للجيش إلى السياسة، إذا أخذنا بالاعتبار التأثير الهائل الذي تمتعت به المؤسسة العسكرية تحت حكم سوهارتو.
ورغم ذلك تستمر عملية تقوية الديمقراطية في إندونيسيا. فمنذ إسقاط حكم سوهارتو عام 1998 جرت ثلاثة انتخابات حرّة وعادلة. ورغم التحديات التي يواجهها الإندونيسيون اليوم، بما فيها مسؤولون حكوميون فاسدون وغير كفؤين، إلا أن الدولة حققت تقدّماً مثيراً للإعجاب.
لقد أصبح الإندونيسيون اليوم أحراراً في التعبير عن عدم الرضا، ومراقبة حكومتهم وانتقادها دون خوف من أن يُسجَنوا أو تتعرض حياتهم للتهديد. وعندما تحصل إساءات، تقوم الصحافة الحرة في إندونيسيا وبشكل روتيني بالكشف عن أعمال الفساد التي تقوم بها الحكومة. وفي الوقت الذي يجد فيه بعض الجنرالات المتقاعدين طريقهم إلى السياسة كمدنيين، إلا أن الجيش في معظم الحالات عاد إلى معسكراته نائياً بنفسه عن السياسة.
ويعود الفضل إلى جميع الإندونيسيين الذين أظهروا خلال الـ 13 سنة الماضية التزامهم الذي لا يلين بالديمقراطية. إلا أنه يجب الاعتراف كذلك بإسهامات النظام الانتقالي بشكل خاص.
فعندما سقط نظام سوهارتو في فترة حكمه السابعة والمكونة من خمس سنوات، يوم 21 مايو 1998، قام بنقل تقاليد الحكم إلى نائبه بشار الدين جوزيف حبيبي، التكنوقراطي الذي تلقّى تدريبه ودراسته في ألمانيا، والذي ساعد على تطوير صناعة الطائرات في إندونيسيا في أواخر سبعينيات القرن الماضي. لم يكن حبيبي كاملاً أو مبرئاً من كل عيب، بل عُرِف باسم "الصبي الذهبي" للدكتاتور السابق. إلا أن أعمالاً معينة قام بها أثناء فترته الرئاسية كان لها تأثير عميق على تحوّل إندونيسيا إلى الديمقراطية.
ويستنتج من ذلك أن الشيء الأهم من أسماء الأشخاص الذين يديرون الحكومة الانتقالية وخلفياتهم، هو "ماذا" تفعل الحكومة الانتقالية؟
وكان من بين التحركات المهمة التي قام بها حبيبي تخفيف الرقابة والسيطرة على حرية التعبير. فبعد أسبوعين من حلفه اليمين الدستورية كرئيس للبلاد، ألغت إدارته سلطة وزير الإعلام في إصدار وسحب تراخيص الإعلام المطبوع. وصدرت بناء على ذلك مئات النشرات، واستأنفت المطبوعات القائمة دورها في مراقبة الحكومة الجديدة.
وكانت وسائل الإعلام الإندونيسية موجودة هناك لتغطية الانتخابات في السنة التالية، وتحليل سياسات الأحزاب والإبلاغ عن أية فجوات. ورغم أن حرية الإعلام في إندونيسيا ما زالت أقل من المعايير الدولية، فإن الإعلام يتواجد في مقدمة المعركة ضد الفساد، وقد أصبح علامة مميزة للديمقراطية الإندونيسية.
وبعد التخفيف على حريات الإعلام بفترة وجيزة، أصدر مجلس النواب نظاماً يضمن حرية التجمّع. مما سمح بالمظاهرات والمهرجانات العامة، بشرط واحد فقط هو أن يتم إعلام قوات الشرطة بها مسبقاً.
وكانت إندونيسيا قبل ذلك، مثلها مثل تونس، دولة بوليسية لمدة ثلاثين سنة، كانت خلالها حريات التعبير مكمّمة، وكان المحتجون إما يتعرضون للسجن أو يختفون من الوجود. واخترق الجيش كافة مستويات الحكومة وراقب أي عمل تخريبي محتمل.
لكن التغييرات التي أجراها حبيبي كانت هائلة وشاملة، وأعادت أكثر المكونات حسماً في تطور الديمقراطية؛ أي حرية التعبير.
وفي تحرك آخر يُحتذى به، اقترحت الحكومة مشاريع قوانين وافق عليها مجلس النواب فيما بعد لتحرير نظام الحزب السياسي وتحسين العملية الانتخابية. وقد تم تشكيل لجنة انتخابية مستقلة، وتم تحرير أصوات موظفي الدولة الانتخابية، التي كانت دائماً تخصص للنظام الحاكم، لاختيار أي حزب سياسي يرغبونه.
وفي يونيو 1999، وبينما كان العالم يشاهد الإندونيسيين يذهبون إلى صناديق الاقتراع في أكثر الانتخابات ديمقراطية منذ عام 1955، كان أمام الناخب السياسية الإندونيسية خيار يضم 48 حزباً سياساً.
وعندما أظهرت النتائج أن عدداً قليلاً من الأحزاب السياسية فقط يستطيع الحصول على عدد كافٍ من الأصوات لضمان تمثيل له في البرلمان، تم تبسيط نظام الأحزاب. ولكن بدلاً من فرض ذلك النظام على الأحزاب السياسية، حصل الأمر بشكل طبيعي وتلقائي عبر عملية ديمقراطية منظمة.
وعلى الرغم من ذلك فإن ديمقراطية إندونيسيا لا تزال أبعد من أن تكون كاملة، بل يتوجب على الإندونيسيين أن يستمروا في التعامل مع التحديات التي تواجه تجربتهم الديمقراطية. إلا أن تلك التجربة تُظهر لنا أنه بغضّ النظر عمن يقود تونس خلال المرحلة الانتقالية، فإن ضمان حرية التعبير، وتمهيد الطريق للتحرر السياسي، شرطان ضروريان لتيسير عملية التحول إلى الديمقراطية.
سري مورنياتي
كاتبة مستقلة في بينانج
ينشر بترتيب مع خدمة "كومون جراوند"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق