الخميس، 3 فبراير 2011

ندوة المسألة اللغوية تتساءل: هل تستعيد اللغة العربية دورها بواسطة الجمعيات؟

أحمد العراقي: تناول اللغة من زاوية التنمية المستدامة طرح ضروري وأساسي، خاصة في ظل هيمنة اللغة الأجنبية،
 
ميدل ايست أونلاين

الدار البيضاء ـ من زهرة زيراوي

لا بد من حوار وطني
لا يمكن أن يغفل الفكر اليوم ما قام به الاستعمار على مر التاريخ من حروب، سيعاد فيها النظر، إذ لم تقف الحرب عند ذلك بل اتجهت للغات، لأنها فكر الأمة وتاريخها وحضارتها وعبقريتها والمحرض على البعث من جديد، فاتجهت السهام لصدر اللغة، لتنبت في حقولها دارجات، وعاميات، هي للحكي وليست الحامل الحضاري للفكر.
شاء الله أن تبدأ يقظة ساقها رجال مخلصون. فتأسست جمعيات تتصدى لهذه الحروب، تأسست ليس في المغرب وحده ، بل في كثير من دول العالم العربي، تتصدى للحرب الضروس. من بينها المغرب فأقيم يوم دراسي نظمته جمعية المسار في إطار ائتلاف مع كثير من الجمعيات، وحد بينهم جميعا الحلم واليقظة، وذلك بالعاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، وناقش الأعضاء والذين هم بالمناسبة مجموعة من الأساتذة المبرزون والباحثون في موضوع "المسألة اللغوية" والاقتصاد، لقد اجتمع هذا "الورش الوطني الكبير"، الذي يضم فنانين، وأطباء، واقتصاديين، ومفكرين، وأدباء، وجمعيات مدنية، ودعا مؤسسو هذا الإئتلاف إلى إعادة النظر في السياسة اللغوية وترشيد المجال اللغوي بالمغرب، للخروج مما سموها الفوضى التي يعيش فيها الحقل اللغوي، وطالبوا بالاعتماد على مقاربة تحليلية وعلمية، تعطي الهيئة الجديدة قوة اقتراحية مفيدة.
واعتبر المؤسسون أن توفير الأمن اللغوي يصب في مصلحة البلاد، ويسهم في رفع مستوى وعي المواطن المغربي، باعتبار أن اللغة هي الفضاء الذي يعبر به الإنسان عن تصوره للعالم ورؤيته للحياة الاجتماعية، وهي الجسر الرابط بين دول العالم العربي، لقد تم في هذا اليوم الإعلان عن تأسيس ائتلاف جمعوي بالمغرب، للدفاع عن اللغة العربية في ظل هيمنة الفرنسية على مجالات الحياة اليومية وقد كانت كل المداخلات مهمة، ولكن نكتفي بمداخلتي كل من الدكتور أحمد العراقي، والدكتور موسى الشامي.
أحمد العراقي: هيمنة الاقتصادي على الثقافي اللغوي
اعتبر الدكتور أحمد العراقي، الوزير السابق، والطبيب والمحلل السياسي والاقتصادي، في بداية عرضه، أن تناول اللغة من زاوية التنمية المستدامة طرح ضروري وأساسي، خاصة في ظل هيمنة اللغة الأجنبية، والفرنسية منها على وجه الخصوص في مختلف مناحي الحياة العامة، وبدرجة أقل الخاصة، وهي عولمة من نوع خاص، إذ أن هيمنة الاقتصادي والتجاري تقود حتما إلى هيمنة اللغوي والثقافي والاجتماعي، بل حتى السياسي والتعليمي .. الخ.
وألح على وجوب تفادي معالجة الأوضاع في غياب الربط بين الأعراض ومسبباتها. وأشار إلى أننا عندما نتكلم عن التنمية المستدامة في 2011، فنحن إنما نتكلم عن شيء مجهول، نظرا لتواجد الحلول والوصفات الجاهزة التي اعتبرناها أساسا، دون أن نكلف أنفسنا جهد أو عناء التفكير في بدائل مستمدة من واقعنا، ومن توجهاتنا وحاجاتنا وإمكانياتنا الذاتية، مع ترك الباب مفتوحا أمام الاستفادة من الآخر.
ومن بين أهم النقاط التي طرحها البروفيسور أحمد العراقي، تلك التي تتضمنها المنظومة التي أطلق عليها: الاحتراس الأمني التنموي، وحددها في عشرة مفاتيح كالآتي: العلم و المعرفة قبل الإيديولوجية، الهوية قبل الانفتاح، التحديات قبل الرهانات، الأهداف قبل الوسائل، الحاجيات قبل الرغبات، التشارك الاستراتيجي قبل الإنجاز، المسببات قبل الأعراض ،المسؤولية قبل إبداء الرأي، الامتثال لمبدأ المحاسبة قبل ممارسة السلطة، التقييم الموضوعي قبل تحيين المشاريع.
كما رسم تداخلات اللغة (التنموية والأمنية) وأسس قيام الصحوة اللغوية من خلال عناصر، أبرزها: التواصل السليم، فوائد القيمة، حماية الرأسمال الطبيعي، التأهيل السليم، التشارك، التأهيل المجتمعي، التنشئة الملائمة، وعقلنة جهاز التربية و التعليم.
وأكد البروفيسور العراقي أن من بين أهم مقومات التنمية اللغوية بالمغرب إنهاء مسلسل التلوث اللغوي بالإدارة، والمرافق العمومية، وبفضاءات العيش المختلفة ، وبوسائل الإعلام، وغيرها.
موسى الشامي :نحن في الحاجة إلى الاستعانة باللغات الأجنبية لا إلى تبنيها
عندما نتكلم في المغرب عن ضرورة تعلم اللغات الأجنبية، نعني بتلك اللغات، لغات الدول المتقدمة. والقصد من ذلك يجب أن يكون هو الاستنجاد بها في التنمية التي ننشدها، لأن هذه اللغات هي التي تنتج اليوم المعرفة التي نحن في أمس الحاجة إليها، والتي نكتفي الآن باستهلاكها. لكن البعض منا يستنجد بهذه اللغات قصد تكريس دونية اللغة العربية وما تتهم به من قصور، وحشرجة، وقرب مفارقتها للحياة، كما نقرأ ذلك في أدبياتهم غير العلمية.
هذه اللغة القائمة بذاتها منذ زمن قديم، هي التي علينا أن ننفتح عليها، وأن نحتضنها قبل غيرها احتراما لسيادة قانون الدولة المغربية، وحفاظا على جزء كبير من هويتنا وعلى الرقعة الجغرافية التي نسميها اليوم "المغرب"، وكل انفتاح على غيرها من اللغات الأجنبية يجب أن يكون من أجل تزويدها بالعتاد العلمي والمعرفي الذي تفتقر إليه الآن لأسباب تاريخية وظرفية ومرحلية معروفة. وهذا التزويد بالمعرفة العلمية والتكنولوجية يمكن أن يتم بطرق شتى، منها الترجمة التي تلعب دورا كبيرا في ضخ الدماء الجديدة لكل لغة تريد أن تستمر في الحياة إذ عليها أن تفتح الأبواب للتهوية و ليس للذوبان.
ما هي اللغات الأجنبية القمينة بتزويد ما تحتاج إليه اللغة الدستورية للبلاد؟
اللغة الفرنسية هي اللغة المفضلة عندنا اليوم لأسباب تاريخية معروفة، وكان يصعب في بداية الاستقلال التخلي عنها، كما أن فرنسا في 1956 رغم ما عانته في الحرب العالمية الثانية من دمار، كانت تتمتع ومازالت إلى الآن، بمرتبة علمية عالمية يجعلها من بين البلدان الخمس الأوائل المتحكمة في التكنولوجيا الحديثة عبر العالم، ولا يجب أن نستصغر هذا المطلب اليوم، بنوع من التعويض في لمحة البصر بلغة أخرى. صحيح أن الباحثين الفرنسيين أنفسهم، في معظمهم، يدركون الآن أن الإلمام باللغة الإنجليزية من الضرورة بمكان، وأن التكنولوجيا الفرنسية قد تخسر الكثير، إذا هي لم تواكب ما يحدث من تقدم تكنولوجي في العالم الأنجلوأميركي. لذلك نلاحظ أن الإلمام باللغة الإنجليزية بالنسبة للبحث العلمي الفرنسي قضية ذات أهمية بالغة.




والملاحظ كذلك أنه رغم هذا المعطى، أي الشعور بضرورة التمكن من اللغة الإنجليزية في مراكز البحث بفرنسا، للحصول على المعرفة المصنوعة بهذه اللغة، فإن التكنولوجيا الفرنسية تظل فرنسية اللسان، تتزود بلغة الغير وتنتج بلغتها وتصدر بلغتها. وليس لفرنسا غير ذلك من خيار إذا أرادت أن تظل هي فرنسا. وهناك من يقول: صحيح أن فرنسا تسجل تأخرا نسبيا في تنميتها، وهو شيء طبيعي نظرا لعدد سكانها ولكن التقدم الذي تحرز عليه يكون بلغتها، وهذا أساسي بالنسبة لها ككيان مستقل.
ولا بد من الإشارة إلى أن فرنسا التي تعرف فسيفساء لغوية معقدة، أكثر من المغرب، تعمل على فرض لغتها الرسمية وحمايتها في الداخل والخارج بكل الوسائل، وربما كان ما تبديه من تحفظ إزاء استعمال الباحثين الفرنسيين للغة الإنجليزية هو مجرد مناورة، فهي تعرف أنها في حاجة ماسة إلى ذلك لكي لا تتخلف ولكي تظل مواكبة للركب، إذ هي تستعمل اللغة الإنجليزية في البحث العلمي، للاستفادة منه حتى لا تتأخر.
ما يحدث في المغرب اليوم هو خلط كبير بين مفهومي "الفرانكفونية" و"الفرنسية". وهنا يجب تحديد المصطلحات لتوضيح المعنى. فـ "الفرانكفونية"، مفهوم ثقافي. واللغة الفرنسية، لغة حضارة كبيرة، أسهمت بشكل كبير في تقدم الفكر الإنساني، ولا أحد يجادل في هذا. وشيء جميل أن نعرف هذه اللغة، أن ندرس بها، أن نقرأ بها، أن نبحث بها، أن نترجم منها إلى لغتنا الرسمية لنقتبس منها ما هو مفيد. فهذا ثراء ما بعده ثراء. ومن يرفض هذا الثراء فهو يدفع بنفسه إلى الانزواء والتهلكة. قد يصعب الاستغناء عن الاستعانة باللغة الفرنسية الآن، فلنستعن بها لكن دون السقوط في الاستلاب، والذوبان الكلي، ولننفتح على لغات أخرى كالإنجليزية التي هي اليوم لغة علمية عالمية رغم أنها ستعرف هي كذلك في السنوات القادمة تراجعا، في الولايات المتحدة يلاحظ اليوم اجتياح الإسبانية في كثير من الولايات، الشيء الذي سيؤثر على مردودها العلمي في الاكتشافات التكنولوجية. وستتراجع كذلك في إنجلترا حيث تطالب إكوسيا وبلاد الغال وإيرلندا باستقلالها اللغوي.
هل يمكن أن تتقدم أمة بلغات أمم أخرى تاركة لغتها؟
العجب أن تصبح اللغة الفرنسية لغة شوارعنا وإداراتنا، وبيوتنا وواجهات محلات تجارتنا ومطاعمنا ومقاهينا ومحلات خياطينا وحلاقينا حتى في الدروب الشعبية العتيقة حيث لا أثر لسكان من جنسية فرنسية، وأن تصبح اللغة الفرنسية لغة مسؤولينا في السمعي البصري، وأن تصبح هي اللغة الوحيدة المستعملة في البحث العلمي في جامعاتنا دون محاولة جعل اللغة الدستورية للبلاد تستفيد مؤسساتيا، عبر الترجمة، وغير الترجمة، من هذا الرصيد المعرفي المعبر عنه بلغة الغير، وهو انزلاق خطير، لأنه يحكم على المغرب بالتبعية اللغوية التي تؤدي إلى كل أنواع التبعيات الأخرى ويلغي هويته واستقلاله.
ماذا حدث من تغير في الدول الإفريقية التي رسمت اللغة الفرنسية، وكذلك اللغة الإنجليزية، لغة التقدم العلمي اليوم، في غياب لغة قائمة الذات لهذه الدول، كاللغة العربية بالنسبة للبلاد العربية؟ هل تقدمت؟ هل عرفت قفزة نوعية في حياتها المعرفية؟ وهل يمكن لأمة من الأمم أن تتقدم بلغات غيرها من الدول؟ نحن، بخلاف الدول الإفريقية، رسمنا اللغة العربية، لكن في الورق، ورسمنا اللغة الفرنسية في الواقع المعيش. والنتيجة أننا أصبحنا نعيش فصاما لغويا لن يؤدي بنا سوى للهذيان.
كيف تشتغل بعض الدول الصغيرة والمتقدمة جدا كالدول الإسكاندينافية على سبيل المثال لا الحصر؟ إنها تأخذ من اللغة الإنجليزية ما تحتاج إليه من زاد معرفي وتشتغل بلغاتها الرسمية. فلكل من السويد والنرويج وفنلندا لغات وطنية رسمية، بها تشتغل وبها تتقدم. وأما اللذين يشتغلون بلغة الغير، كالإنجليزية والفرنسية بعد أن رسموها، كبعض الدول الإفريقية التي تفتقد إلى لغات قائمة الذات، فهم، نظرا للوضعية الذيلية التي يوجدون فيها، يجترون إنتاج الغير، ويتكلون عليه في كل شيء، وهكذا سيظلون إن لم تدركهم اليقظة.
استعمال لغة الغير وحدها في التعليم العلمي والبحث بجميع أشكاله، يعني فيما يعنيه الاتكال على هذا الغير في كل شيء. واستعمالنا للغة الغير دون لجوئنا إلى ترجمة علومه إلى لغتنا الدستورية لن يزيدنا إلا مزيدا من التبعية والذيلية والذوبان النهائي. أو إلى أين نسير؟ فأين نسير؟
الدولة هي التي يجب أن تقوم بكيفية ممنهجة وبنظرة مستقبلية بالتخطيط لتدريس اللغات الأجنبية، وألا تترك الأمر للأفراد، يقررون فيه، بكيفية منفردة ومنعزلة، وبحسب ما تهوى أنفسهم ومصالحهم.
لا بد من حوار وطني على مستوى الدولة لترشيد الحقل اللغوي عندنا برمته، ولإعادة الاعتبار للغة الدستورية للبلاد، وفي غياب ذلك وهو ما نشاهده اليوم حولنا، وعلى المجتمع المدني أن يتحمل مسؤوليته، وقد نادينا مرارا في الجمعية المغربية بهذا التصحيح، لحماية اللغة العربية بسن سياسة لغوية رشيدة بالمغرب، وما فتئنا ننادي بذلك، ونعرف أن هذا يتطلب الصبر والمثابرة والنفس الطويل والحوارات الساخنة التي لا بد أن تأتي بالنتائج أخيرا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق