الخميس 30 صفر 1432هـ - 03 فبراير 2011م
سعد محيو
نقلا عن (الخليج) الاماراتية
هل صحيح أن الشرق الأوسط العربي يسير بخطى حثيثة نحو ديكتاتوريات جديدة، دينية هذه المرة، تحلّ مكان الحكومات السلطوية الحالية؟
ثمة طرف واحد في المنطقة يعتقد ذلك: “إسرائيل” .
فبنيامين نتنياهو يُحذّر من تكرار ما حدث في إيران العام 1979 (حين استولت حركة أصولية دينية على ثورة مدنية ملايينية) في العديد من الدول العربية . والكاتب والسياسي “الإسرائيلي” رون ليشيم يعتقد أن ثمة نظاماً إقليمياً جديداً ترفرف عليه رايات الحركات الراديكالية الإسلامية يولد الآن في كل أنحاء الشرق الأوسط .
بيد أن كل هذه التحذيرات المُغلّفة بورق سوليفان التحليلات الأنيقة، هي في الواقع إما أجراس إنذار لإرهاب الغرب وحمله على الوقوف في وجه الثورات المدنية العربية، أو مجرد تفكير رغائبي من جانب طرف يُصلي ليل نهار لإشعال حروب الحضارات بين الشرق والغرب .
الحقيقة تكمن في مكان آخر: لاتكرار لثورة إيران في الدول العربية، ليس فقط لأنه ليس ثمة رجال دين فيها، بل أيضاً لأن المجتمعات العربية تطورت خلال العقود الأربعة الماضية كي تُصبح أكثر تعددية بما لا يُقاس سياسياً وفكرياً، وأقل تسامحاً بما لايقاس مع أي محاولات لإعادة مصادرة حقوق المجتمع المدني، أياً كان مصدرها .
أجل . الحركات الإسلامية في الدول العربية لم تنضج ديمقراطياً بعد . لكنها تغيرّت بما يكفي كي تقبل الآخر ومعه مبدأ التداول السلمي للسلطة . وهذا واضح في أدبيات حزبي النهضة في تونس والعدالة والتنمية في المغرب والاخوان المسلمين في مصر .
وهذا يشي بأن مرحلة التغييرات في المنطقة سترقص على دف آخر غير الدف الأصولي الإيراني . لا بل العكس قد يكون صحيحاً: المعارضة الخضراء الإيرانية، التي كادت تعلن الثورة الشعبية العام 2009 بعد الانتخابات الرئاسية، هي التي قد تُقلّد الثورات المدنية العربية الراهنة .
النموذج الأقرب للثورات العربية سيكون على الأرجح تجارب الانتقال إلى الديمقراطية في كل من إندونيسيا وتركيا .
ففي إندونيسيا لعبت الحكومات السلطوية دوراً مهيمناً منذ استقلال البلاد العام ،1945 ثم بعد انقلاب سوهارتو الدموي المدعوم أمريكياً الذي ذهب ضحيته نحو نصف مليون مواطن . فالأجهزة الأمنية التي هيمنت على إندونيسيا في عهده، صادرت معظم مناحي الحياة السياسية، وأخضعت قطاعات واسعة من السكان إلى رقابتها القوية، ومارست “الهندسة الاجتماعية” على نطاق واسع . في ظل هذه الظروف، كان الإصلاح صعباً، وتطلب الأمر انتظار رحيل سوهارتو وتدمقرط الحركات الإسلامية لتدشين المرحلة الانتقالية إلى الديمقراطية . ومن ثَمَ، كان هذا الإصلاح جزءاً من عملية أوسع لدمقرطة النظام ونزع عسكرته، وهي العملية التي بدأت بعد الأزمة المالية الآسيوية في يوليو/ تموز العام ،1997 والتي لم تكن لتُقلع لولا دعم ضباط عسكريين إصلاحيين اقتنعوا بأن سيطرة أجهزة الاستخبارات على الحياة السياسية لم يعد ممكناً .
وفي تركيا، لم يكن وصول الإسلاميين إلى السلطة ممكناً، كما هو معروف، لولا أنهم طوّروا برامجهم وتبنّوا بالكامل الأجندة الديمقراطية على نمط الأحزاب الديمقراطية المسيحية في أوروبا الغربية .
مستقبل العرب، إذاً، سيكمن في الغالب في حاضر إندونيسيا وتركيا . وهذه ستكون أنباء سيئة لنتنياهو ورون ليشيم . سيئة للغاية في الواقع .
ثمة طرف واحد في المنطقة يعتقد ذلك: “إسرائيل” .
فبنيامين نتنياهو يُحذّر من تكرار ما حدث في إيران العام 1979 (حين استولت حركة أصولية دينية على ثورة مدنية ملايينية) في العديد من الدول العربية . والكاتب والسياسي “الإسرائيلي” رون ليشيم يعتقد أن ثمة نظاماً إقليمياً جديداً ترفرف عليه رايات الحركات الراديكالية الإسلامية يولد الآن في كل أنحاء الشرق الأوسط .
بيد أن كل هذه التحذيرات المُغلّفة بورق سوليفان التحليلات الأنيقة، هي في الواقع إما أجراس إنذار لإرهاب الغرب وحمله على الوقوف في وجه الثورات المدنية العربية، أو مجرد تفكير رغائبي من جانب طرف يُصلي ليل نهار لإشعال حروب الحضارات بين الشرق والغرب .
الحقيقة تكمن في مكان آخر: لاتكرار لثورة إيران في الدول العربية، ليس فقط لأنه ليس ثمة رجال دين فيها، بل أيضاً لأن المجتمعات العربية تطورت خلال العقود الأربعة الماضية كي تُصبح أكثر تعددية بما لا يُقاس سياسياً وفكرياً، وأقل تسامحاً بما لايقاس مع أي محاولات لإعادة مصادرة حقوق المجتمع المدني، أياً كان مصدرها .
أجل . الحركات الإسلامية في الدول العربية لم تنضج ديمقراطياً بعد . لكنها تغيرّت بما يكفي كي تقبل الآخر ومعه مبدأ التداول السلمي للسلطة . وهذا واضح في أدبيات حزبي النهضة في تونس والعدالة والتنمية في المغرب والاخوان المسلمين في مصر .
وهذا يشي بأن مرحلة التغييرات في المنطقة سترقص على دف آخر غير الدف الأصولي الإيراني . لا بل العكس قد يكون صحيحاً: المعارضة الخضراء الإيرانية، التي كادت تعلن الثورة الشعبية العام 2009 بعد الانتخابات الرئاسية، هي التي قد تُقلّد الثورات المدنية العربية الراهنة .
النموذج الأقرب للثورات العربية سيكون على الأرجح تجارب الانتقال إلى الديمقراطية في كل من إندونيسيا وتركيا .
ففي إندونيسيا لعبت الحكومات السلطوية دوراً مهيمناً منذ استقلال البلاد العام ،1945 ثم بعد انقلاب سوهارتو الدموي المدعوم أمريكياً الذي ذهب ضحيته نحو نصف مليون مواطن . فالأجهزة الأمنية التي هيمنت على إندونيسيا في عهده، صادرت معظم مناحي الحياة السياسية، وأخضعت قطاعات واسعة من السكان إلى رقابتها القوية، ومارست “الهندسة الاجتماعية” على نطاق واسع . في ظل هذه الظروف، كان الإصلاح صعباً، وتطلب الأمر انتظار رحيل سوهارتو وتدمقرط الحركات الإسلامية لتدشين المرحلة الانتقالية إلى الديمقراطية . ومن ثَمَ، كان هذا الإصلاح جزءاً من عملية أوسع لدمقرطة النظام ونزع عسكرته، وهي العملية التي بدأت بعد الأزمة المالية الآسيوية في يوليو/ تموز العام ،1997 والتي لم تكن لتُقلع لولا دعم ضباط عسكريين إصلاحيين اقتنعوا بأن سيطرة أجهزة الاستخبارات على الحياة السياسية لم يعد ممكناً .
وفي تركيا، لم يكن وصول الإسلاميين إلى السلطة ممكناً، كما هو معروف، لولا أنهم طوّروا برامجهم وتبنّوا بالكامل الأجندة الديمقراطية على نمط الأحزاب الديمقراطية المسيحية في أوروبا الغربية .
مستقبل العرب، إذاً، سيكمن في الغالب في حاضر إندونيسيا وتركيا . وهذه ستكون أنباء سيئة لنتنياهو ورون ليشيم . سيئة للغاية في الواقع .
نقلا عن (الخليج) الاماراتية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق