الأدب الإندونيسي
سبب قلة قُرّاء الأدب رغم ارتفاع نسبة التعليم في إندونيسيا
في خريف عام 2015 تحل إندونيسيا ضيف شرف على معرض الكتاب في مدينة فرانكفورت الألمانية، حيث يتسنى للجمهور الألماني التعرف إلى ثقافة هذا البلد، ذي الـ 17 ألف جزيرة، من خلال الأدب الإندونيسي. لكن ما يثير الملاحظة أن نسبة القرَّاء في إندونيسيا، التي يبلغ عدد سكانها نحو 250 مليون نسمة، منخفضة للغاية رغم وجود كُتاب متميزين فيها، كما أنه وبقدر ما تمثل القصص الشفوية جزءا من الحياة اليومية في إندونيسيا بقدر ما يصعب إيجاد هذه القصص بشكل مطبوع. الصحفية الألمانية مونيكا غريبلر تسلط الضوء على المشهد الأدبي في هذا البلد الإسلامي الكبير.
قصص جيدة - هذا ما يُحبُّه الإندونيسيون. في الدردشة الصغيرة مع الجيران، وفي الحكايات، التي يتم إخراجها في مسرح العرائس، أو حتى في مسابقات القراءة، التي تحظى بشعبية واسعة في جميع أنحاء إندونيسيا: يتم سرد القصص وعرضها، وكذلك يتم تبادل الحديث ونظم الشعر. كثيرًا ما تستقطب القراءاتُ الشعريةُ المئاتِ من المستمعين، حيث يلقي الشعراء نصوصهم بكثير من الحماسة والإيماءات الكبيرة. وترافق الموسيقى هذه القراءات بلحن حزين وصوفي وساحر. وبعض هذه القصص تم تواترها طيلة قرون من الزمن.
في الواقع تعتبر إندونيسيا لذلك مؤهلة لأداء هذه المهمة، التي أوكلت لها في خريف عام 2015: حيث سوف تحلُّ إندونيسيا في الفترة بين الرابع عشر والثامن عشر من شهر تشرين الأوَّل/أكتوبر 2015 "ضيف شرف على معرض فرانكفورت للكتاب"، الذي يعدُّ أكبر مهرجان للقصص، وأكبر معرض تجاري للكتب في جميع أنحاء العالم. هذا في الواقع فقط.
غير أنَّ إندونيسا لا تعتبر "بلد قراءة" كلاسيكي. وبقدر ما تمثِّل القصص الشفوية جزءًا من الحياة اليومية في إندونيسيا، بقدر ما يصعب إيجاد هذه القصص بشكل مطبوع.
قِصَر فصل الشتاء سبب لانعدام القراءة
لا يعود ذلك إلى نسبة الأمية: إذ إنَّ نحو ثلاثة وتسعين في المائة من الإندونيسيين يستطيعون القراءة والكتابة. ولكن مع ذلك فهذه مشكلة تعليمية: "لا يتم تدريس الأدب في المدارس الإندونيسية مثلما جرت العادة في الغرب. صحيح أنَّ طلاب المدارس يتعلمون متى عاشت الأديبة الإنكليزية جاين أوستن، بيد أنَّهم لا يقرؤون في الغالب أيـًّا من كتبها"، مثلما يقول الناشر جون مكغلين، الذي يقوم من خلال مؤسَّسته لونتار بترجمة أعمال إندونيسية إلى اللغة الإنكليزية: "لهذا السبب فمن المدهش في الواقع وجود كتَّاب إندونيسيين مميَّزين. فأين تعلموا ذلك يا ترى؟ بالتأكيد ليس في المدرسة".
وكذلك ليس في المجتمع، بحسب قول غوناوان محمد، رئيس اللجنة الوطنية لإندونيسيا كضيف شرف في معرض الكتاب في فرانكفورت: "نحن، الإندونيسيين، اجتماعيون أكثر ونحب مقدارًا جيدًا من الضجة والصخب. وبالإضافة إلى ذلك لا يوجد لدينا شتاء طويل، يمكننا خلاله الجلوس داخل بيوتنا، لكي نقرأ على سبيل المثال رواية ’الحرب والسلام‘".
أعمال أدبية خفيفة وأسعار مربحة
تُبيِّن الأرقام مدى قلة اهتمام هذا البلد بالكتب: ففي كلِّ عام تُصدر دور النشر الإندونيسية البالغ عددها نحو ألف وأربعمائة دار نشر ما معدله أربعة وعشرين ألف عنوان. وللمقارنة: توجد لدى ألمانيا دور نشر أكثر، وعناوين أكثر - بينما يبلغ عدد سكَّان ألمانيا أقل بكثير من سكَّان إندونيسيا. ولكن الكتب التي يتم نشرها في ألمانيا في كلِّ عام أكثر بنسبة اثني عشر ضعفًا مما يتم نشره في إندونيسيا.
كما أنَّ معظم الكتب التي يتم عرضها في السوق الإندونيسية هي ترجمات للكتب الإنكليزية البسيطة والأكثر مبيعًا. وذلك لأنَّ هذه الكتب تجلب المال للناشرين، مثلما يقول جون مكغلين: "غير أنَّ الكتب ذات الطبعات الأكثر عددًا - إذا جاز هذا التعبير - هي روايات شعبية وكذلك كتب لها علاقة بالدين. وموضوعها: امرأة تجد في البدء الله ومن ثم زوجها"، مثلما يقول منتقدًا، ويضيف: "على الرغم من زيادة عدد الكتب التي يتم نشرها، ولكن الكثير من هذه الكتب مكتوب في الواقع بصورة ضعيفة تثير الشفقة".
لكن يوجد كتَّاب إندونيسيون جيِّدون
ولكن رغم كلِّ ذلك فإنَّ إندونيسيا ضيف شرف ممتاز، مثلما تقول كلاوديا كايزر من معرض فرانكفورت للكتاب. وذلك لأنَّ إندونيسيا تتمتَّع بقصة جيدة - مفعمة بالاكتشافات والمغامرات. تقول كلاوديا كايزر: "تعتبر إندونيسيا بالنسبة لنا في ألمانيا إلى حدّ كبير بمثابة بقعة بيضاء فوق الخريطة. لقد حان الوقت لكي ننتبه قليلاً إلى ما يحدث هناك". تهدف استضافة إندونيسيا كضيف شرف في معرض الكتاب في فرانكفورت إلى تسليط الضوء على ثقافة إندونيسيا وسكَّانها البالغ عددهم نحو مائتين وخمسين مليون نسمة وجزرها السبعة عشر ألفاً. وكذلك إثارة الاهتمام بالأدب في إندونيسيا.
ففي إندونيسيا يوجد مؤلفون شباب مفعمون بالنشاط ومهتمون سياسيًا، يكتبون كتبًا جيِّدة. كما أنَّ "الأوساط الأدبية العديدة نشطة كثيرًا"، مثلما يؤكِّد الناشر جون مكغلين. وبحسب قوله فمن الجدير بالملاحظة أنَّ الكثير من المؤلفين يكتبون منتقدين أمورًا لا تعجب الغرب أيضًا: "فهم لا يحبُّون الأُصوليين، بصرف النظر عن دينهم. ولا يحبُّون دعاة التمييز بين الجنسين بالإضافة إلى كونهم لا يحبُّون العنصريين - وهذا يثير إعجابي".
ومن هؤلاء المؤلفين على سبيل المثال ليا بامونغكاس التي هربت إبَّان الحكم الديكتاتوري في إندونيسيا ولا تزال تعيش منذ ذلك الحين في هولندا. هناك قصة قصيرة تصف فيها ليا بامونغكاس كيف أصبح شابٌ من أبوين مسلمين إرهابيًا، لكن العديد من الصحف والمجلات الإندونيسية رفضت طباعتها. ولذلك فقد قامت مؤلفتها بتوزيعها بين الأصدقاء وعلى شبكة الإنترنت. أو كذلك على سبيل المثال الشاعرة توتي هيراتي، التي تصف وبلهجة حادة وضع المرأة في البلاد.
"الأدب الإندونيسي عبارة عن شيء تجب قراءته بصوت مرتفع. يلاحظ المرء الجانب الشفوي في هذا الأدب"، مثلما تقول كلاوديا كايزر وتتحدَّث بحماس حول الشعر والقصص القصيرة والروايات: "في هذا الأدب توجد مجموعة كاملة، كثيرًا ما تكون ذات طراز عالمي، مثل الكاتب برامويديا أنانتا توير الذي توفي مع الأسف، وكذلك ليلى شودوري، أو أيو يوتامي وَ لاكسمي بامونتياك، وكثيرون غيرهم".
حساء ورقص في معرض لايبتسيغ للكتاب
ومن أجل اكتشاف هؤلاء الكتَّاب، يجب على المرء أن يفهمهم في لغته. ولكن حتى الآن لا يوجد سوى عدد قليل من المترجمين ذوي الخبرة. أمَّا برنامج الترجمة - الذي يمثِّل جوهر البلد الضيف في معرض الكتاب - فقد تعثَّر . لقد بدأت البرازيل مثلاً بترجماتها قبل ثلاثة أعوام من معرض الكتاب، وحتى أنَّ فنلندا أخذت ستة أعوام من أجل ذلك. وماذا عن إندونيسيا؟ لقد وافقت وزارة التعليم والثقافة الإندونيسية فقط في الخريف الماضي على صرف مبلغ مليون دولار لدعم الترجمة.
"كان من الممكن أن يكون الأمر أفضل لو تم البدء بهذا البرنامج قبل عامين على الأقل"، مثلما تقول كلاوديا كايزر منتقدة. أمَّا غوناوان محمد، رئيس اللجنة الوطنية وهو مؤلف أيضًا، فيتحدَّث بشكل أوضح: "كان يجب علينا البدء بذلك قبل عشرة أعوام على الأقل، ولكن لم يكن من المتوقَّع قطّ أنَّ إندونيسيا ستكون ضيف شرف في معرض فرانكفورت للكتاب. والآن يمثِّل هذا واحدة من أكبر العقبات التي تواجهنا".
يأمل المنظِّمون في أن يتم توفير نحو مائتي عنوان في الخريف، منها بحسب التقديرات عشرون عنوانًا باللغة الألمانية. وفي معرض لايبتسيغ الألماني للكتاب في منتصف شهر آذار/مارس 2015 كان البرنامج الإندونيسي ناجحًا. وكثيرًا ما كان الركن الإندونيسي محاطًا بكثير من الزوَّار، حيث كان يوجد في هذا الركن حساء ورقص - وكذلك كتب مختلفة للقرَّاء.
مونيكا غريبلر
ترجمة: رائد الباش
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق