جاكرتا صدرت نحو 6.5 مليون عامل وعاملة.. 10% منهم في السعودية
|
تشدد مكاتب الاستقدام في إندونيسيا أثر على وجود العاملات المنزليات في السعودية («الشرق الأوسط») |
|
جدة: نادر العبد الرحمن
رن هاتفه فرد عليه، حدث ذلك دون أن يقطع حديثي وأحد الأصدقاء عن علاقة الشعبين الإندونيسي والسعودي، لأن الاتصال لم يكن إلا من زوج خادمته الإندونيسية للاطمئنان على زوجته التي تعمل هنا، وليوطد أواصر الثقة مع كفيلها الذي أمضت في منزله وبين ربته وأطفاله عدة سنوات. أكملنا قولنا الذي أكده المهاتف فعلا، وذهبنا نمخر عباب الماء بين «الهندي والهادي» في أغرب علاقة نسجها السعوديون مع أحد شعوب المعمورة، فأناس الأرخبيل الواقع على بعد 8700 كم من مكان حديثنا، مازجوا الشعب السعودي حتى صار فك أحد ذرتي الجزيء «الإندوعودي»، ضربا من الفانتازيا التي لم يكتب حتى أهل الروايات عنها.
مطاعم المأكولات الجاوية المنتشرة على جنبات الطرق في مدن المملكة المختلفة تعطي الانطباع العفوي لشكل الرباط، رباط لا يبدأ بأعواد الساتي وقطع الدندن ولا يقف عند خيوط الإندومي السابحة في بحره الأصفر، بل تتجاوز السفرة إلى اللغة. فالإندونيسية حاضرة وتتداولها ألسنة عدد من سكان المملكة العربية السعودية في مكة المكرمة والمدينة المنورة على وجه الخصوص.
اليوم، يبرز في علاقة الشعبين ببعضهما جهازان في حكومتي البلدين، وهي «وزارة القوى العاملة والتهجير» في جاكرتا العاصمة، والتي صدّرت 6.5 مليون عامل وعاملة، 10 في المائة منهم في السعودية عبر «مكاتب الاستقدام» الموزعة في أرجاء ومدن المملكة.
فيما 600 ألف إندونيسية وإندونيسي يعملون اليوم في السعودية أغلبهم من السائقين أو العاملات بالمنازل، تتواصل شكوى السعوديين هنا فيما بينهم عن تجاوزات وتعديات، يراها البعض فردية لا يؤاخذ بها الكل، وآخرون يعتقدون أنها أفرزت ظاهرة يرونها تتأتى طبقا للتكرارات والتسلسلات الفردية.
ففي حين لم يدخل بيوت السعوديين أحد كما دخلها الإندونيسيون إذا أخذ في الاعتبار أن أصحاب الجنسيات الأخرى من الوافدين إلى المملكة لا يعملون دائما في مهن تكون المنازل ميادينها، تلقى الإندونيسيات رغبة وإقبالا كبيرين ليمارسن أعمال المنزل وقد تستبدل بالأم في أحايين كثيرة.
وبين الحين والحين، يتعكر سامر العلاقة بين «السعودي والإندونيسي» بفعل حادثة قتل هنا أو اعتداء أخلاقي هناك أو شعوذة وسحر، بالإضافة لتمييز و«استعلاء» عنصري. حضرت تلك المشاهد كثيرا في منازل السعوديين في السنوات الماضية وشكلت هاجسا يرتاب منه أرباب تلك البيوت.
ففي فترة من الفترات أخذت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية على عاتقها رصد بعض الحالات التي يسببها «ما لطف وخفي سببه» عبر عظام الحيوانات وجلود ولفائف الورق وقطع الأقمشة، ولاحظت بعد ذلك أن الخادمات يقفن خلف أغلب الحالات المسجلة، الأمر الذي ضج به الرأي العام في المملكة التي يفر سكانها من أعمال الكهانة فرارهم من الأسد.
في ذات الوقت أخذت قصص السرقة والعلاقات المشبوهة بين الخادمات داخل البيت وخارجه تأخذ مساحة أوسع، وشكلت مادة دسمة للمهتمة بالشأن الداخلي من الصحف، حتى طالت في مرحلة ما جانب القتل وخطف الأطفال أو تسميم الأغذية، بمشاركة فاعلة من الإندونيسيين الذين يعملون كسائقين في عدد من المنازل.
وعلى الرغم من ذلك، وبشرط «عدم الجمال» تفضل السعوديات أن يستجلبن المرأة التي «قادت مقاومة الاستعمار الهولندي في بلادها»، ليس للعمل بالمنزل فحسب بل أيضا لإدارته أحيانا ولأجل رعاية الأبناء واستئمانها عليهم.
فيما طرف آخر، وجد أن الإندونيسية عوضت في كثير من الأحيان جانب الأم الرءوم لدى الأطفال، والذين بات كثير منهم لا يطيقون الابتعاد عن «آمبي أو سوماتي أو آسيا» التي شاركتهم لعبا وأكلا ونوما وهم ناعمو الأظفار.
ذلك الجانب المظلم، من تعامل الإندونيسي ضد السعودي، ولّد حالة الغضب عند الأخير ولأنه سيد ردود الفعل الغاضبة، فقد قابل مصطلحات السحر والسرقة والهروب بمصطلحات الكي والقطع والتسمير والفقء، قد يكون معذورا، إذ لم يفعلها لأن الداعي كان هزيمة منتخب بلاده في نهائي كأس آسيا في استاد «بونغ كارنو» الذي لعبه ضد العراق في يوليو (تموز) 2007 بإندونيسيا، بل جاءت صدى لأعمال عنيفة ولا أخلاقية كانت تمارس ضد أفراد المنزل من قبل الخدم.
إطلالة الأخبار القاسية حول التعامل مع العمالة المنزلية التي قطعت الساعات جوا للوصول إلى المملكة، أصبحت في الآونة الأخيرة وجبة شبه يومية، تصل آذان القريب والبعيد، وتلوكها ألسنة المتحدثين في وسائل الإعلام وأطراف مجالس النساء وصلب دواوين الرجال.
وحاليا تطفو على السطح من تلك القصص حادثة قتل خادمة، كان بطلها شاب شابت علاقة الخادمة بوالدته بعض العوالق، فألقى بجثتها في إحدى حاويات النفايات بأبها إمعانا في الانتقام وحفاظا على كرامة والدته التي ظن أنها أهدرت.
بالتوازي، ربة منزل في المدينة المنورة هيجت الصحف والمواقع الغربية على الحكومة الإندونيسية، والتي وصفت من قبل تلك الصحف بأنها «تتجاهل أحوال رعاياها العاملين في المملكة»، إذ أقدمت بطلة القصة ربة المنزل مع ابنتها التي مثلت دور الكومبارس على قطع ما أمكن وشي الباقي من جسد الخادمة البالغة من العمر 23 عاما.
تعميم الحالات الفردية و«عناوين (الديلي ميل) البريطانية وبقية أخواتها في الغرب»، دفعت إلى إدانة أطلقها رأس الجمهورية في إندونيسيا الدكتور سوسيلو بام بانق وديونو. فيما أريد لنا أن نفهم، أن سيولا من جحافل المتظاهرين خرجت تندد هناك في جاكرتا وترمي شهب الغضب بين الشعب السعودي.
«10 وفي أكثر الأحوال هياجا 100، وبشكل سلمي، هم الذين وقفوا أمام السفارة السعودية للمطالبة بحق الخادمة»، هكذا قال عبد الرحمن محمد الخياط، سفير المملكة في جاكرتا، ليعطي بذلك صورة حقيقية لاجترار الكل بفعل بعض البعض في علاقة الشعبين الإندونيسي والسعودي.
ليست الأفعال أعلاه فقط ما وتر العلاقة بينهما، فمن كولورادو في الولايات المتحدة وفي يوليو (تموز) 2005 جاءت رسالة مشفرة تهز العلاقة بين الشعبين، إذ اتهم حميدان التركي، وهو طالب سعودي مبتعث لدراسة الدكتوراه في الصوتيات هناك، بتعذيب خادمته الإندونيسية، وهو الأمر الذي لم يقره حميدان على الرغم من صدور حكم فيما بعد عليه بالسجن 28 عاما.
فض العلاقة وإغلاق باب الريح، حديث يدور في السعودية اليوم عبر استبدال العمالة المنزلية الفيتنامية بالإندونيسية، كان آخر ما تم فيها من قبل لجان الاستقدام في عدد من الغرف التجارية بالمملكة، بإيقاف التعامل مع العمالة الإندونيسية، والبحث عن بدائل دون تحميل أصحاب العمل أعباء مالية إضافية.
في ذات الوقت وعيد يأتي من بلد الـ230 مليون نسمة، عن وقف تصدير اليد العاملة في السعودية. وكانت الحكومة الإندونيسية عند وعيدها فعلا إلا أنها وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي علقت قرار الوقف.
وحسبما ذكرت مجموعة «رعاية المهاجرين» الحقوقية في إندونيسيا وفي مواجهة هذا وذاك، لا يعتقد في إندونيسيا أن إيقافا لتصدير العمالة سيحصل، لأن الأخيرة «من الآخر» تدر سنويا 7.5 مليار دولار في اقتصادها من اليد العاملة التي تعمل في الخارج.
تضرب علاقة الشعب الإندونيسي بالسعودي في التاريخ، ويشكل الإسلام معول ذلك الضرب الرئيس، إذ كانت أساطيل الإندونيسيين وبواخرهم تصل مرافئ الحجاز في القرون الماضية، هربا من ويلات استعمار هولندي أذاق الإندونيسيين الأمرين على مدى 350 عاما.
القادمون من الشرق الأقصى في تلك الفترة، والذين استقروا في المدن الغربية من المملكة، وأثروا في ثقافة تلك الجهة الفريدة بتنوعها الديموغرافي وانفتاحها، عرفوا بـ«الجاوة»، ويستقرون مثلا في مكة المكرمة في أماكن قريبة من البيت الحرام في شعب علي وأجياد وغيرهما، وكانوا من الرواد في أعمال الطوافة وخدمة الحجيج وزوار المسجد الحرام.
تعرف كل من البلدين في أجندة أعمال الأخرى على أنها «بلد إسلامي كبير وشقيق»، وهو ما دفع العلاقة كثيرا بينهما إلى الأمام، وأنزل كل الحوادث الفردية إلى ذيل اهتمامات الحكومتين، فيجدر مثلا القول إن الرئيس الإندونيسي يرعى في لجة التوتر الشعبي هذه الأيام ختام أعمال مسابقة الأمير سلطان بن عبد العزيز للقرآن الكريم والسنة النبوية، لدول آسيان ودول وسط آسيا. حالة تدفق يبديها البلد الحاضن للحرمين الشريفين تجاه أكبر البلدان الإسلامية، إذ يحصل هذا البلد المسلم على النصيب الأوفر من مجمل مساعدات المملكة لمختلف دول العالم، فبين العامين 1973 و2006 قدمت المملكة العربية السعودية لإندونيسيا ما يقرب من 90 مليار دولار أميركي، كما كان للمملكة دورها الحضاري في إندونيسيا؛ بداية من الركن الثقافي السعودي والذي يحوي أمهات الكتب والمراجع في جميع العلوم لجامعة الأزهر الإسلامية في جاكرتا، ووصولا إلى 35 مشروعا استثماريا سعوديا برأسمال يتجاوز 28 مليار ريال خلال السنوات الأربع الماضية، إضافة إلى منح دراسية للطلاب الإندونيسيين في الجامعات السعودية.
ويذكر أن المملكة افتتحت معهد العلوم الإسلامية والعربية التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1988، ويدرس به أكثر من 700 طالب وطالبة، كما أعلنت السفارة السعودية هناك عن افتتاح ثلاثة فروع للمعهد في أهم المدن الإندونيسية، مع رفع مستواها إلى كليات للدراسات الإسلامية.
وتشترك إندونيسيا مع ماليزيا، البلد المسلم الآسيوي الآخر، كوجهة سياحية مفضلة للعائلة السعودية، إذ يكفي في ذلك قول السفير الإندونيسي لدى المملكة، إن الخطط التسويقية السياحية القادمة في بلاده «ترتكز» على السياح السعوديين، وخصوصا العائلات، عبر برامج سياحية شاملة وممتعة.
فبلد شرق آسيوي محافظ يتمتع بطبيعة استوائية جاذبة، وتتوفر فيه الأدوات السياحية على أعلى معايير الدول المتقدمة، وتنتشر على أرضه أغرب المناظر على العين الرملية الصحراوية، من غابات وحيوانات وجبال وبراكين وجزر وأجواء ماطرة طيلة الوقت، كفيلة لتطبع في ذهن السعودي دقائق رحلاتها مؤكدة دائما أنها «أنيسة لا تنسى».