وجه من جاكرتا ثاني خطاب له للعالم الإسلامي لكن بمصطلحات ودلالات مختلفة
|
أشاد الرئيس الأميركي باراك أوباما أمس بانتقال إندونيسيا من حكم «القبضة الحديدية» إلى الديمقراطية وبذهنية التسامح السائدة في هذا البلد الذي نشأ فيه باعتباره نموذجا للإسلام والغرب.
وقال إن تحول إندونيسيا انعكس في حياته الشخصية في السنوات الأربعين منذ أن غادر أكبر دولة مسلمة في العالم، كشاب عادي وأصبح بعد ذلك رئيسا للولايات المتحدة. وقال: «إندونيسيا تشكل جزءا من حياتي» مستعيدا ذكريات 4 سنوات من طفولته قضاها في جاكرتا. ورحب أوباما برفض إندونيسيا في الآونة الأخيرة لحقبة حكم سوهارتو السلطوي وانتهاجها الديمقراطية قائلا إنها أصبحت الآن قوة أساسية في آسيا. وقال أمام أكثر من 6 آلاف شخص في الجامعة الوطنية بجاكرتا: «إذا سألتموني، أو سألتم أحد رفاقي في المدرسة الذين عرفوني آنذاك، لا أعتقد أن أحدا منا كان يعتقد بأنني سأعود يوما ما إلى جاكرتا بصفتي رئيسا للولايات المتحدة». وأضاف: «وقلة كانوا يتوقعون أحداث إندونيسيا اللافتة في العقود الأربعة الماضية».
وألقى أوباما خطابه بعد زيارته مسجد الاستقلال، وهو الأكبر في جنوب شرقي آسيا. ورافق إمام المسجد الحاج مصطفى علي يعقوب أوباما وزوجته في جولته في المسجد في وسط جاكرتا.
واعتبر إندونيسيا نموذجا للتسامح بين عدة ثقافات قائلا: «حتى وإن كانت الأرض التي عشت فيها شبابي قد تغيرت بعدة طرق، فإن الأمور التي تعلمت أن أحبها في إندونيسيا، ذهنية التسامح الواردة في دستوركم والتي تشهد عليها المساجد والكنائس والمعابد، والمترسخة في شعبكم، لا تزال مستمرة». وأضاف: «الوحدة في التعددية، هذا هو أساس النموذج الذي تقدمه إندونيسيا للعالم ولهذا السبب ستقوم إندونيسيا بدور مهم في القرن الحادي والعشرين». لكن أوباما تعهد بمواصلة الحرب ضد خلايا «القاعدة» على طول الحدود الأفغانية - الباكستانية وفي دول مثل اليمن والصومال. وقال: «كلنا يجب أن نهزم (القاعدة) والتابعين لها، الذين لا يتبعون أي دين وبالتأكيد ليس ديانة عظيمة وعالمية مثل الإسلام، لكن الذين يريدون البناء يجب ألا يتراجعوا أمام الإرهابيين الذين يسعون إلى الدمار، وهذه ليست مهمة أميركا لوحدها».
وعكس خطاب أوباما في إندونيسيا، التي غادرها أمس وكانت محطته الثانية في جولته الآسيوية الحالية، الخطاب الآخر الذي ألقاه في القاهرة ووجهه إلى العالم الإسلامي عام 2009. ومثلت القاهرة وجاكرتا خلفيتين متباينتين لمراجعة إدارة أوباما علاقاتها مع دول تربط بينها العقيدة لكنها تمارسها بطرق مختلفة ومتناقضة في بعض الأحيان. وعكس الخطابان بوضوح تلك الاختلافات.
ففي القاهرة تحدث أوباما عن 7 مشكلات يجب حلها في منطقة الشرق الأوسط. أما في جاكرتا فأشاد بـ3 مجالات قال إن أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان نجحت فيها. وقال: «هذا لا يعني أن إندونيسيا بلا عيوب. لا توجد دولة بلا عيوب، لكن هنا توجد القدرة على تضييق هوة الخلافات بين العرق والمنطقة والدين». وفي حين أكد الخطابان أن الولايات المتحدة ليست في حرب على الإسلام، أولى خطاب القاهرة تركيزا أكبر للدين. واقتبس أوباما آيات من القرآن 4 مرات وتحدث عما «تدين به الحضارات للإسلام»، مضيفا أن الإسلام يفخر بتاريخ طويل من التسامح. وفي الوقت نفسه حذر من أن هناك «ميلا مربكا بين بعض المسلمين لقياس تدين المرء برفض ديانة الآخر». وكانت النبرة مختلفة إلى حد كبير في جاكرتا حيث قال: «مثلما لا تحدد هويات الأفراد بدياناتهم وحسب فإن هوية إندونيسيا يحددها ما هو أكثر من شعبها المسلم».
واستخدم أوباما المصطلحات الدينية بشكل متكرر في القاهرة حيث ذكر كلمة مسلم أو مسلمين 46 مرة وكلمة إسلام وإسلامي 23 مرة وديانة 17 مرة. وفي اختلاف عن خطاب القاهرة كانت أغلب الإشارات في خطاب جاكرتا إلى الدولة حيث ذكر كلمة إندونيسيا أو إندونيسي 69 مرة واستخدم المفاهيم السياسية مثل الديمقراطية والتقدم والتنمية والحرية بشكل أكبر من التعبيرات الدينية. وفي القاهرة كانت أكثر كلمة استخدمها هي «الشعب» حيث ذكرها 45 مرة متقدمة على كلمة «العالم» بكثير التي جاءت في المركز الثاني وذكرها 29 مرة، ثم «مسلمون» التي ذكرها 27 مرة. وفي جاكرتا تصدرت «إندونيسيا» القائمة وذكرها 49 مرة يليها «الشعب» وذكرها 20 مرة ثم «العالم» في المركز الثالث وذكرها 14 مرة.
وفي حين احتوى خطابه في إندونيسيا على إشارة تنم عن حنين للماضي حين ذكر سماعه صوت الأذان في جاكرتا فإن تركيز أوباما على الدين كان من منطلق الاهتمام بالتسامح الديني. وفي جاكرتا لم يرد ذكر القرآن الذي كان يستقبل ذكره بالتصفيق في كل مرة يشير إليه أوباما في خطاب القاهرة. كما غابت الإشارة إلى اسمه الأوسط المسلم وهو حسين عن خطاب اليوم وقد قوبلت هذه الإشارة بالتصفيق في القاهرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق