الثلاثاء, 18 يناير 2011
اكتشفت السويد العالم الإسلامي قبل 25 عاماً، لأنه لم يكن لديها سابقاً أي خبرة استعمارية أو أي خبرة اجتماعية مع العالم العربي والإسلامي، لأن الاستعمار السويدي تركز على الضعفاء النرويجيين والفنلنديين والألمان والبولنديين، واستمر الاستعمار السويدي 350 سنة في شمال البلاد، وروسيا ولم يصل الاستعمار السويدي إلى البحر الأبيض المتوسط أو الشرق الأوسط، ولكن الجيل الجديد اضطر للتعرف على حضارة وثقافة جديدة، وكان دور يان هيننغسون متركزاً على البعد الديني والبعد الثقافي والفكري، وليس البعد السياسي، وحتى الآن على رغم عمله في وزارة الخارجية السويدية منذ ثماني سنوات، فهو ليس سياسياً، ويهتم كثيراً بحوار الحضارات ويقرأ جيداً المتغير الثقافي بين الحضارات ويسعى لمد الجسور بين البلدان والمجتمعات. «الحياة» حاورت هيننغسون، وهنا نص الحوار:
> ما دورك في وزارة الخارجية السويدية بالتحديد؟
- أنا المسؤول عن الحوار بين الثقافات والأديان، وبالتالي لا يقتصر الحوار على الثقافة العربية، ولكن التركيز عليها حالياً، بسبب قرب العرب من أوروبا، ولكن هناك أنشطة للحوار مع الثقافات بصورة أشمل.
> في بعض وزارات الخارجية الأوروبية جرى إنشاء أقسام للحوار مع العالم الإسلامي، ولكنها أدت أحياناً إلى امتعاض الحكومات، ووصل الأمر إلى احتجاج بعض ممثلي هذه الأقسام بعد زيارتهم دولاً عربية على عدم السماح لهم بذلك. فهل تقومون بمثل هذه الأنشطة؟
- هذا سؤال صعب جداً، لأنني كما قلت لك لست سياسياً، وما يهمني هو التبادل الفكري والثقافي، مثل الترجمة، ترجمة الشعر مثلاً، وترجمة النصوص العلمية. وأريد أن أقدم لك خبرة ملموسة، حتى تتضح الصورة، كان عندنا في الإسكندرية تعاون وثيق مع (مركز دراسات الوحدة العربية) في بيروت، والذي كان يترأسه الدكتور خير الدين حسيب وهو مثقف عراقي.
وعقدنا ندوة مشتركة في الإسكندرية، كما أقمنا مؤتمراً عن (الفساد والحكم الصالح في الدول العربية)، وهو موضوع مهم للغاية، واتضح من تلك الخبرات، أننا كنا الوحيدين الأوروبيين مع كل الدول العربية، وهذا يدل على الثقة التي يوليها العرب للسويد، كما أقمنا مؤتمراً آخر عن (الدين الإسلامي والقومية العربية).
وكان المشاركون من مختلف الطوائف الفكرية والسياسية، ولكن كان هناك غياب للإسلاميين، فكان رأينا في المعهد أنه ينبغي علينا حين نتحدث عن الإسلاميين، أن نسمح بوجود من يمثلهم ليكون لهم حضور في الندوة، وحتى في اللقاء السنوي للفلاسفة العرب في كانون الأول (ديسمبر) من كل عام، برئاسة الدكتور حمدي زقزوق، لم نجد كثيرين من هذا التيار، وكانت الغالبية من المعتدلين والعلمانيين، والماركسيين، وبعض المحافظين، ولكن لم يكن هناك إسلاميون بالمعنى الصحيح.
عموماً أنا أرى أن أي سياسي أو ديبلوماسي يخدم في العالم العربي، أو يتعاون مع دول إسلامية، يجب أن يتعرف على هذا التيار الفكري، حتى يفهم هذه المجتمعات، فأنا مثلاً عشت في القاهرة في السبعينات، ثم عدت بعد 27 سنة إلى الإسكندرية، فوجدت اختلافاً كبيراً، بين أيام الانفتاح في عهد الرئيس أنور السادات، وبين الإسكندرية اليوم.
فنسبة المحجبات مرتفعة جداً، وارتفع الصوت الصادر من المآذن، والالتزام الشديد بالصيام في رمضان، والصلاة، وعلامة الصلاة في وجه الكثيرين، والتي لم تكن موجودة من قبل. فمن لا يعرف الخلفيات وتاريخ هذه المتغيرات، لن يستطيع فهم العالم العربي.
صراع الأديان
> الإسلام حديث العهد نسبياً في السويد، ولكن هل تعتقد أنه بعد مرور عقود عدة من الزمن يمكن اعتباره ديناً طبيعياً مثل بقية الأديان مثل المسيحية الكاثوليكية والبروستانتية؟
- أنا متأكد من ذلك، ومن يقول إن أوروبا تقوم على جذور مسيحية ويهودية فقط، يتناسى الدور الكبير الذي قام به العرب في نقل الفلسفة والطب ومختلف العلوم من الحضارات اليونانية والفارسية والهندية إلى الحضارة الأوروبية، ولا يوجد كتاب تاريخ صحيح وعادل إلا وينسبون الفضل للعرب سواء كانوا مسلمين أم مسيحيين في هذه الحضارة الغربية الحديثة، لأنه كان هناك مترجمون من السريان والمسيحيين الأقباط، ولا يمكن إنكار العرب كأمة وسيطة، - طبعاً لا أقصد المصطلح الوارد في الآية الكريمة (وكذلك جعلناكم أمة وسطا)- لكنهم قاموا بدور الجسر، ولا يستطيع أي مفكر أو مثقف- يخشى أن يصفه الناس بالجهل- أن ينكر هذا الدور، وأجد أن مشاركة الشباب المسلم الجديد في العديد من المنظمات والأحزاب السياسية شيء مشجع، ولا أعتقد أن العقلية السويدية تخاف من الإسلام، هي تخاف من العنف فقط، لأننا بلد سيحتفل بعد أربع سنوات بمرور قرنين من الزمان من دون إطلاق رصاصة في السويد، السويد تخاف من العنف أو التسلح الذي يمكن أن يؤدي إلى خلافات في الداخل.
الشيوخ أنواع
> هل الشيوخ عندكم في السويد من المعتدلين الذين يسهمون في اندماج المسلمين في مجتمعاتهم الجديدة أم من المتطرفين الذين يحضونهم على كراهية المجتمع؟
- عندنا شيوخ من النوعين، هناك متطرفون للغاية، والبعض يقول باللغة العربية أو التركية ما لا يقوله إذا تحدث بالسويدية، وهذه الازدواجية موجودة، والبعض يجاهر بتطرفه، ولكن كل المسلمين والمسلمات الذين أتعاون معهم من المثقفين والمعتدلين، والذين يمتلكون القدرة على نقد الذات، وهي ظاهرة جديدة، لأن العالم العربي لم يكن يعرف النقد الذاتي، ولكني أرى الآن تبادلاً فكرياً بين المسلمين في المهجر، والمسلمين في بلاد الأم، ويشجع على نقد الذات.
> البعض يرى أن المسلمين المقيمين في الغرب يساعدون على نقل الفكر التنويري إلى الدول الإسلامية، ونقل فهم معاصر للدين، فهل تتفق مع هذه الرؤية؟
- نعم، أعتقد أن هناك نماذج لذلك الأمر، ولكن هناك نماذج للعكس، أعني التعصب نتيجة البحث عن الذات، والهوية، الأمر الذي يؤدي إلى نوع من التراجع.
> اليهود عندكم منذ قرون ولم يذوبوا في المجتمع بعد، وما زالوا يحتفظون بهويتهم اليهودية. فلماذا يعتقد البعض أن المسلمين أقل تمسكاً بهويتهم؟
- إذا نظرنا إلى تاريخ التواجد اليهودي في السويد، تجد أن معظمهم تزوجوا من غير اليهود، ولذلك فإن أعداد اليهود في تراجع، وهذا الأمر طبيعي، أن تنصح أم اليهودي ابنها وتقول له لا تتزوج إلا اليهودية، ثم يتعرف على فتاة كاثوليكية وتتعرف عليها الأم، وتوافق على الزواج منها. المشكلة عندنا في السويد ليست في الأديان، بل في تعدد (الأعراق)، فهناك الصومالي والبنغلاديشي، والعراقي، والمغربي، والكردي، والتركي.
ولذلك فعندما جاء الجيل الأول، كانوا يتحدثون بلغات مختلفة، وعندما أرادوا أن يصلوا الجمعة، كانت اللغة المشتركة بينهم هي السويدية، ولكن من وصل السويد وعمره 40 عاماً، وهو أمي أو شبه أمي، فإنه لا يفهم اللغة السويدية ولا يفهم خطبة الجمعة.
> هل عندكم معاهد لإعداد أئمة في السويد؟
- لا ليس عندنا مثل هذه المعاهد، كان هناك بحث حكومي عن هذا الموضوع، وهناك أيضاً بحث شامل في أوروبا، لاكتشاف النماذج الناجحة في تدريب أئمة على أرض أوروبية، لأن الخطوة من إحضار إمام مسجد من دولة عربية أو من تركيا، والذي يبقى لمدة ثلاث سنوات، ثم يعود، فإن مثل هذا الإمام لا يصلح أن يكون مرشداً للجالية، وهو لا يعرف شيئاً عن السويد، ولا يعرف اللغة السويدية، ولذلك سيستمر في خطبه كما لو كان يخطب في مسجد في أنقرة، المهم أنه ليس هناك معاهد بعد، ولكن هناك منظمات دراسية يمكنها مساعدة الأئمة في التعرف على المجتمع السويدي، للتعرف على المبادئ والتشريع السويدي، ولكني جلست مع الزملاء في الأزهر، واتحاد الجامعات الإسلامية، ووجدت أنهم يخافون أن يقوم الأئمة وقادة المسلمين في أوروبا بالتدريس والخطبة بطرق غير معتمدة في الأصول الإسلامية، ولذلك يحاولون فتح فروع للأزهر مثلاً في العديد من الدول في الغرب، ولكنني لا أستطيع أن أتنبأ بنجاح ذلك أو فشله.
> المهاجرون إليكم ألا يحملون معهم الخلافات والحروب الدموية الدائرة رحاها في بلادهم؟
- هناك شباب يجري دعوته لتدريبه على الجهاد والحرب في بلادهم المضطربة، وليس في السويد، شباب عمرهم 18 إلى 19 سنة يجري تدريبهم، لكن السويد لا تتعرض لمثل هذه المشكلات، وربما يرجع ذلك إلى أن القانون التشريعي السويدي منفتح على جميع الأديان، ويقوم بتقديم المعونات والأموال الحكومية للطوائف الدينية المختلفة، وهذه الأموال من حصيلة الضرائب التي يدفعها المواطن السويدي، لبناء مساجد ومعابد وبيوت عبادة لمختلف الأديان، ولبناء مؤسسات دراسية خاصة، وليست حكومية، عندنا مدرسة إسلامية غير حكومية في مدينة خارج العاصمة ستوكهولم، ويتم دعم المنظمات غير الحكومية NGOs.
وعندنا (حركة مسلمي السويد للعدالة والسلام)، وهي حركة دينية تتعاون مع الحركة السلمية المسيحية، واتحاد دراسي باسم الفيلسوف ابن رشد، والتي قامت على أساس مبادرة إسلامية، ولكنها منفتحة على الجميع، ويلتحق بها طلاب مسيحيون وآخرون علمانيون، كل هذه الجهات تحصل على معونات حكومية.
> تعاني ألمانيا من تهديدات القاعدة بسبب مشاركتها في القوات الدولية في أفغانستان، فهل تعاني السويد من موقف مشابه، في ظل مشاركتها هناك أيضاً، وبسبب إرسال أسلحة سويدية إلى القوات الأميركية في العراق، أو إلى إسرائيل؟
- لا أعتقد ذلك، لأنه في مخيلتي تتمتع السويد في العالم العربي بسبب موقفها الواضح من الشعب الفلسطيني، وهذا خط سياسي مستمر منذ 25 سنة، وبالتحديد منذ بداية الانتفاضة الأولى، وأتذكر أنني كنت في القدس في عام 1987، أي قبل عودة حركة فتح إلى فلسطين.
وسمعت وشاهدت غضب وزير الخارجية السويدي عندما شاهد الضحايا الفلسطينيين، فهذا الخط مستمر، وكما تعلمون أن السويد عندما تولت في العام الماضي رئاسة الاتحاد الأوروبي، وفي جلسة مجلس الشؤون الخارجية بتاريخ 8/12/2009، أكدت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، تحت الرئاسة السويدية على ضرورة استقلال فلسطين، وضرورة توحيد القدس ونزاهتها، وكان هذا الموقف جديداً إلى حد ما وواضحاً.
حتى أن الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد عمرو موسى اتصل بوزير الخارجية السويدي وأبلغه أنه كان على وشك أن يترك كل ارتباطاته في جامعة الدول العربية في القاهرة.
ويأتي إلى بروكسل ليشكر الرئاسة السويدية، وكانت هذه خطوة مهمة، إضافة إلى أن السويد ليس لها خلفية استعمارية في المنطقة العربية، ووزيرة الخارجية الراحلة أنا ليند التي أثرت في حياتي بصورة كبيرة، كانت متعاطفة مع العرب والمسلمين، وحتى أحد كبار قادة القاعدة قال: إننا محاربون ضد الدول الأوروبية، لكننا نحترم البلاد الديموقراطية.
ولسنا في جهاد ضد السويد، وذكر السويد بالاسم، وكل ذلك يدل على نوع من التسامح، وحتى لو أرسلت السويد 400 جندي إلى أفغانستان، فهذه ليست الظاهرة الوحيدة التي تبين الموقف الأساسي للسويد، وهناك أبعاد أخرى كثيرة لابد من مراعاتها عند الحكم على الموقف السويدي، وعندما زرت قطر قبل شهر تقريباً، سمعت من زملاء هناك أنهم كانوا يتوقعون أن تلعب السويد دوراً كبيراً في بناء السلام في المنطقة العربية.
وبالنسبة لي فإنه من فرط حبي للحضارة العربية والعالم العربي لا أخاف من تهديد إسلامي أو عربي ضد السويد، ليست هناك عداوة ضد السويد، لأن السويد لم تفعل أي شيء تستحق عليه العداوة، حتى ما حدث أخيراً من تفجيرات لن يؤثر في احترامنا للإسلام كدين سماوي.
> يعتمد النموذج السويدي على المشاركة الفعالة في العملية الديموقراطية، بمشاركة في الانتخابات لا تقل عن 80 في المئة، فهل يندمج المهاجرون في هذا النمط الجديد من الحياة بسهولة وسرعة، أم يبقون في معزل عن الحياة الديموقراطية؟
- بعد جيلين أو جيل ونصف الجيل، لأن اللاجئين والمهاجرين في الجيل الأول ينصب اهتمامهم على كسب الرزق وبناء بيت جديد والحفاظ على الأسرة، وربما تعلم اللغة السويدية، أما الجيل الثاني والجيل الثالث فإنهما يشاركان في الحياة السياسية بصورة نشطة جداً، إذ نجدهم أيضاً في المنظمات غير الحكومية، كما ستجد مسلمين عرباً وغير عرب مرشحين لعضوية البرلمان، ومرشحين للمجالس المحلية، في العديد من المحافظات السويدية، كما ستجدهم ولكن بصورة متواضعة كتاباً في الصحف وتراهم على الشاشة، لكن تلك هي آخر مرحلة.
وعلى العكس من ذلك فإن اليهود موجودون هنا منذ بضع قرون ومنذ أجيال عدة.
وأصبح لديهم أساس ثقافي للمشاركة في الحياة العامة، أما المسلمون فهم حديثو عهد بالسويد نسبياً، وبمرور الوقت سيكتسبون الخبرة، إنني أرى أن الجيل الجديد من الشباب الذي يبلغ من العمر حالياً حوالى 25 عاماً، يشكل جسراً، بين جيل الأجداد من ناحية وبين المجتمع السويدي من الناحية الأخرى.
الجيل الثاني متشدد
> يعتقد البعض أن أبناء الجيل الثاني أو الثالث من المهاجرين إلى الغرب يصبحون أثناء بحثهم عن هويتهم أكثر تشدداً من أهلهم، الذين لم يكونوا متشددين على الإطلاق. فهل لاحظتم الشيء نفسه في السويد؟
- لاحظنا هنا أن شابات مغربيات مثلاً يعشن في أوروبا بصورة طبيعية، وأمهاتهن غير محجبات، ثم يرجعن إلى جذورهن بصورة حادة، ويرتدين الحجاب ويجبرن أمهاتهن على ارتداء الحجاب، وإذا استخدمت مصطلح السادات (البحث عن الذات)، يقوم شباب مسلم في السويد بهذه المغامرة، تتطلب نشاطاً وذكاء وإرادة وصبراً، فيكون الحل الأسهل هو البحث عن هوية سهلة وجاهزة، وهنا تكمن الخطورة الكبيرة، والتي كتب عنها الباحث الفرنسي (جيل كيبل)، والذي قال إن الهوية الحديثة تتمثل في تعدد الهويات، فالشخص لا يكون مسلماً فحسب، بل هناك عناصر أخرى للهوية بأن يكون الشخص مثقفاً ونشطاً سياسياً وصاحب هوايات معينة، ومن يقرر اختيار هوية واحدة، فإنه يقرر الخيار السهل وهو أن يكون مسلماً فحسب.
> بعض السويديين يقولون إنهم أصبحوا يشعرون بالغربة في بلادهم، بعد انتشار النقاب والثوب العربي للرجال وطلبات رفع الأذان خارج أسوار المسجد، ولذلك فإنهم أردوا أن يقولوا بهذا التصويت إنهم لا يريدون الاستمرار في ذلك النهج. فما رأيك؟
- .... كم عدد المنقبات في السويد؟ إضافة إلى أن الطقس عندنا لا يسمح أبداً بارتداء الثوب العربي، عموماً عدد المنقبات عندنا قليل جداً، وأود أن أحكي لك أن عندي صديقة مسلمة من أصل جزائري ترتدي الحجاب، وأرادت أن تقوم بالتعرف على رد فعل الجمهور في ستوكهولم على ارتداء النقاب، فخرجت مع أخيها وهي ترتدي النقاب، ودخلت أفخم المحال وأغلاها، وأبلغتني بعد ذلك أنها لقيت معاملة في منتهى الاحترام، وخرجت بنتيجة أن المنقبة لا تواجه أي تمييز في المعاملة، على رغم أن النقاب يمثل للكثيرين رمزاً للتطرف والتعصب، أعتقد أن هناك خوفاً من التعصب الديني، وليس خوفاً من المسلمين وحدهم، فعندنا في السويد حركة علمانية متطرفة منذ سنوات طويلة، وقامت بعد فترة الحرب العالمية الثانية بنشر الخوف والرعب لدى الناس من كل ما له علاقة بالدين، حتى قبل وصول الإسلام إلى السويد، وهذا الرأي العلماني يبني على العلوم الحديثة، ويعتمد مبدأ العقلانية، وقد كتب المفكر المصري محمد البهي كتباً في هذا الاتجاه، مثل (الإسلام دعوة وليس ثورة). ولذلك فإن هناك تياراً علمانياً بارزاً حتى في التشريع السويدي، وهو تيار ربما لا يظهر بصورة واضحة في الإعلام، لكنه تيار موجود بعمق داخل السلطة التشريعية، ويؤكد هذا التيار العلماني دوماً على أهمية التعدد الفكري والعرقي والديني.
نحن والسعودية
> كيف نجذب المواطن السعودي أو الخليجي إلى السويد، بهدف تحقيق التقارب بين الشعوب؟
- أعتقد أن هناك طريقتين لتحقيق ذلك الهدف: أولاهما التعاون في مجال البحث العلمي، حتى من مستوى البكالوريوس، كما هي الحال مع المبتعثين السعوديين الموجودين حالياً في السويد، والطريقة الأخرى هي الأدب والثقافة.
> هل ترى أي مشكلة في التقارب بين المجتمعين السويدي والسعودي بسبب اختلاف العادات والتقاليد والأنظمة التشريعية بينهما؟
- لا طبعاً، لأن الإنسان هو الإنسان في كل مكان، ليس هناك فرق كبير بين الشعوب، حتى ولو كانت هناك اختلافات في النظام التشريعي والاجتماعي والثقافي في البلدين، وعندي خبرات متعددة مع العالم العربي توضح ذلك، أعطي لك منها مثالين: أولهما مشروع للتعاون البحثي العلمي بين الباحثين في السويد والباحثين في العالم العربي، وهو ما يسمي بـ (Research Links).
لقد كنت مسؤولاً في العالم العربي في الإسكندرية على بناء شبكات علمية بحثية بين الجامعات والمعاهد العليا في السويد ونظريتها في العالم العربي، وكان هناك تمويل من موازنة الاتحاد الأوروبي للدول العربية النامية، أما بالنسبة إلى دول مثل السعودية والكويت والإمارات ففيها باحثون ربما لا يكونون مواطنين من هذه الدول، ولكنهم مشتغلون بأبحاث ودراسات ضمن اهتمامات الشبكات العلمية التي تحدثت عنها، ففتحنا الباب لهم أيضاً ولكن على حسابهم، وهناك مجالات تعاون علمية أخرى، فنجد في السويد طلاباً في الجامعات المختلفة، وأطباء يؤدون التخصص الطبي في المستشفيات الجامعية السويدية، وأذكر اليوم الثقافي السعودي الذي أقيم في شباط (فبراير) الماضي، والذي يجسد هذا التبادل الفكري بين المملكة العربية السعودية وبين السويد.
وهناك نموذج أعتبره أفضل وأشجع الخبرات التي مرت بي خلال السنوات الست التي عملتها في العالم العربي، وبالتحديد قبل شهر من مغادرتي الإسكندرية، إذ جاءتني الفرصة لتنفيذ حلم، كان يراودني منذ سنوات، وهو عقد حوار بين شاعرات سعوديات وشاعرات سويديات، ولم يكن في القاعة أي رجل سوى وكيل وزارة الثقافة والإعلام للعلاقات الثقافية الدولية آنذاك الدكتور أبوبكر أحمد باقادر، وشخصي المتواضع، وكان وجودنا رمزياً باعتبارنا من نظم اللقاء، لكن كل المتحدثات والمشاركات كن من النساء فقط، وتولت إدارة اللقاء شاعرة سعودية وأخرى سويدية، وحضرت من السويد أربع شاعرات، منهن اثنتان من الأكاديمية الملكية.
أي من القمة، لأن العضوية في الأكاديمية الملكية تقتصر على الصفوة، والأخيرتان كانت أيضاً من الشاعرات الشهيرات، ولكنهما كانت أصغر سناً ومن السعودية حضرت المحررة الصحافية والشاعرة هدى الدغفق التي صدر لها دواوين «لهفة جديدة والظل إلى أعلى وسهرت إلى قدري» بلغات عدة من الإسبانية والإنكليزية والشاعرة السعودية فوزية ابو خالد الأستاذ المشارك في جامعة الملك سعود والكاتبة في مجال ثقافة الطفل والتحليل السياسي ولها العديد من المؤلفات في الأدب المتعلق بالأطفال، والكاتبة طفول العقبي التي الفت كتاباً عن الطفولة السعودية ولها اهتمامات ثقافية. والشاعرة والصحافية حليمة مظفر المحاضرة في كلية التربية وصدر لها ديوانان هما «هذيان وعندما يبكي القمر» وتقدم برنامجاً تلفزيونياً ثقافياً في التلفزيون السعودي .
والشاعرة زينب غاصب الكاتبة في العديد من الصحف المحلية ولها العديد من القصائد بالعامية والفصحى، كما أن لها العديد من القصائد المغناة.
ونور العمودي الكاتبة والمهتمة بالشؤون الاجتماعية ولها مؤلفات في هذا المجال. والشاعرة بديعة كشغري الكاتبة في الأدب الحديث ولها العديد من الدواوين أبرزها «ديون الرمل إذا أزهر «والدكتورة أشجان هندي الأستاذ المساعد في جامعة الملك عبدالعزيز والمهتمة بالشعر والأدب الحديث والدكتور خديجة صبان من جامعة الملك عبد العزيز والتي صدر لها ديوانان ومريم بوبشيت الناقدة والأديبة.
> هل وجهتم للشاعرات السعوديات الدعوة للحضور إلى السويد لتكملة الحوارات؟
- إن شاء الله ستكون هناك تكملة، لكن المشكلة أنني تركت العمل كمدير للمعهد السويدي في الإسكندرية في عام 2008، وعندما طلبت ذلك، لم أجد الاهتمام الكبير بهذا الأمر، لكنني لم أفقد الأمل وأجد أن هناك إمكانات كثيرة لاستئناف الحوار، بخاصة وأن الشاعرات السويديات قلن بعد اللقاء إنه كان تجربة مثيرة، وخبرة نادرة ومفيدة، وربما يكون التواصل الشخصي بين الشاعرات في البلدين مستمراً بعد هذا اللقاء.
> هل كان المعهد السويدي في الإسكندرية يقوم بأي أنشطة في السويد؟
- قليلاً ما كان ذلك يحدث، لأن المعهد السويدي في الإسكندرية والمعهد السويدي في اسطنبول، يكلفان مبالغ باهظة تدفعها الحكومة السويدية، ويعتبران ركيزتين مهمتين.
والمعهد السويدي في الإسكندرية هو المعهد الوحيد المخصص بنسبة 100 في المئة، للحوار بين العالم العربي والاتحاد الأوروبي، وهذا المعهد يمثل مساهمة السويد في ما يسمى (الاتحاد المتوسطي)، المعروفة سابقاً باسم (عملية برشلونة)، وبدأنا المشاركة مع الدول العربية الواقعة على حوض البحر الأبيض المتوسط، ثم توسعنا للتعاون مع دول الخليج العربي.