الخميس، 11 نوفمبر 2010

الاقتصاد التركي.. نموذج رائد للعالم الإسلامي

د. يوسف عبدالله الزامل
تعود تركيا مجددا للعالم الإسلامي وهي التي قادت هذا العالم خلال ما يزيد على 6 قرون حتى نهاية الحرب العالمية الأولى .. يبدو أنها عائدة ولكن هذه المرة كنموذج اقتصادي ناجح للريادة في التنمية، فالاقتصاد قوة الانطلاق والنفوذ أيضا.
دولة تركيا، على أرض مساحتها 783.562 كيلومترا مربعا، وسكان يبلغ عددهم 72.561.213 (إحصائيات عام 2009)، عانى اقتصادها من الاضطراب والتخلف لمدى يقرب من 80 سنة (1923 ـــ 2002) تحت مظلة العلمانية التي لم تسهم في تنمية الاقتصاد التركي بمعدلات نمو قوية وكافية لتحقيق نهضة حقيقية للشعب التركي، تزيد من متوسط دخله ورفاهيته وتجعل من تركيا دولة حضارية حديثة تلحق بركب الحضارة المتقدمة في أوروبا وأمريكا ــ كما دعا إلى ذلك كمال أتاتورك عندما أعلن قيام الدولة العلمانية في تركيا وإسقاط دولة الخلافة.
الحزب الإسلامي؛ وتحت أسماء حضارية ومتطورة ومختلفة وصولا إلى حزب العدالة والتنمية، قاد الاقتصاد التركي من عام 2002 إلى تحقيق معدلات نمو قياسية حتى وصلت ـــ بعد الأزمة المالية العالمية ـــ إلى 11.7 في المئة في الربع الأول من العام الحالي 2010، وقفز الناتج القومي الإجمالي بين عامي 2002 و2008 من 300 مليار دولار إلى 750 مليار دولار، بمعدل نمو بلغ 6.8 في المئة وقفز معدل الدخل الفردي للمواطن في السنة نفسها من نحو 3300 دولار إلى نحو 10.000 دولار. وهكذا فإن الاقتصاد التركي يعيش طفرة اقتصادية تنبئ بتحوله إلى أحد نمور المستقبل، حيث يأتي في الدرجة الثالثة في العالم، من حيث معدلات النمو بعد الصين والهند، ووصلت تركيا في حجم ناتجها الإجمالي إلى الرقم 16 في الاقتصاد العالمي.
وتحققت لتركيا هذه الإنجازات غير المسبوقة بين دول العالم الإسلامي بفضل تبني الحزب الإسلامي الحاكم خططا مدروسة وبرامج منظمة؛ عمل الحزب على تطويرها عبر سنوات عديدة في القطاع الخاص وفي القطاع التعليمي والاجتماعي، وقد ساعد ذلك الواقعية والمعايشة لظروف العصر، مع تبني الانفتاح والحوار وحماية المصالح الاقتصادية لمختلف الفئات، والحفاظ على خطط تنمية العلاقات الاقتصادية التركية ـــ الأوروبية .
وقد وجدت الصيرفة الإسلامية موطئ قدم لها، حيث بدأت بعض المؤسسات المالية التي تسمىSpecial Finance Houses، وبالتركية zel Finans Kurumu، بتقديم خدمات الصيرفة الإسلامية منذ عام 1980. وفي عام 2001، وهو العام الذي شهد الأزمة المالية التركية، أصبح علامة فارقة في تاريخ هذه الصناعة. ومنذ ذلك التاريخ شهدت مؤسسات الصيرفة الإسلامية أو ما يطلق عليها في تركيا «بنوك المشاركة» معدلات نمو غير مسبوقة، حيث قفز معدل النمو السنوي لأصولها 40 في المئة، وعمليات التمويل 53 في المئة، وودائعها 40 في المئة (وفقا لبيانات جمعية بنوك المشاركة التركية).
إلا أن التاريخ المفصلي في عمر هذه الصناعة هو إقرار قانون بنوك المشاركة رقم 5411 في 1 نوفمبر 2005 من قبل السلطات الإشرافية.
وقد بلغ عدد المصارف العاملة تحت هذا القانون حتى تاريخه أربعة مصارف هي: البركة التركي، وبنك آسيا، وبيت التمويل الكويتي التركي، وبنك تركيا فينانس كاتليم ـــ وهو البنك الذي استحوذ البنك الأهلي السعودي على 60 في المائة منه بمبلغ 1.8 مليار دولار.
ووفقا للتقرير الصادر عن جمعية بنوك المشاركة التركية في مارس 2008، بلغت أصول هذه البنوك 19.477 مليار ليرة أي بنسبة 3.4 في المائة من إجمالي أصول البنوك التركية، كما بلغت تمويلاتها 14.889 مليار ليرة تركية أي بنسبة 5.2 في المئة من إجمالي القروض البنكية، وبلغت ودائعها 14.834 مليار ليرة أي بنسبة 4.2 في المئة من إجمالي الودائع البنكية. ومن المتوقع أن تتجاوز أصول بنوك المشاركة 25 مليار دولار في العقد المقبل بحيث تشكل 10 في المئة من إجمالي الأصول البنكية التركية.
ويسعى حزب العدالة والتنمية منذ وصوله لسدة الحكم عام 2002 إلى جعل العاصمة التاريخية إسطنبول مركزا من مراكز صناعة الصيرفة الإسلامية، وجسرا يوصل بين الشرق والغرب، وذلك لموقعها الجغرافي وبعدها التاريخي والديني، وهي مؤهلة لذلك بالنظر إلى ما تتمتع به الصيرفة الإسلامية من بنية تشريعية وتنظيمية قوية، إلا أن ذلك لا يكفي، بل يجب على الحكومة التركية أن تكون أكثر انفتاحا ومرونة في قوانينها المنظمة للاستثمار الأجنبي في القطاع المالي الإسلامي؛ حيث لا تسمح القوانين المصرفية التركية للمصارف الإسلامية الأجنبية بالعمل داخل تركيا، ولكن يمكن لها العمل عبر الاستحواذ على مصارف تقليدية ومن ثم تحويلها إلى مصارف مشاركة.
فالدولة التركية حققت عبر تطبيق مبادئ الاقتصاد الإسلامي والصيرفة الإسلامية سلسلة من الإنجازات اللافتة للنظر، التي لم تكن في حسبان المحللين الاقتصاديين من قبل، وفي عديد من المجالات حقق الاقتصاد التركي أرقاما قياسية، وبلغ إجمالي قيمة عمليات الخصخصه 13.985 خلال عام واحد، وبلغت قيمة الصادرات خلال الأشهر التسعة الأولى من هذا العام 53 مليون دولار، وأعلنت مؤسسة التصنيف الائتماني الدولية «موديز» رفع تصنيف الاقتصاد التركي من حالة الاستقرار إلى وضع إيجابي ليسجل ( BB+) وهو قابل للزيادة.. نموذج الاقتصاد التركي الناجح وخلال ثماني سنوات فقط من عمره يبرهن على أنه يمكن لأي دولة في العالم الإسلامي أن تحقق مؤشرات سريعة من التقدم والنمو والتطور الذي يخدم رفاهية شعوبها ويرفع من كفاءة استخدامها مواردها الاقتصادية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق