27.12.2013, 00:54
|
Photo: © ru.wikipedia.org
|
حظيت أزمة منطقة البحر الكاريبي التي اندلعت في تشرين الأول/أكتوبر عام 1962، على اهتمام الكتّاب والمؤرخين وعلماء السياسة، ولهذا تم تأليف مئات من الكتب، وتم تصوير الكثير من الأفلام. وقتئذ كانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي على حافة صدام عسكري كبير، وبات العالم كله يحبس أنفاسه، ويراقب تطور الأحداث. ولكن "أزمة ايريان" التي ظهرت قبل شهرين من أحداث الأزمة الكاريبية مازالت حتى الآن غامضة وغير معروفة، على الرغم من أن هذه الأزمة كادت أن تكون سبباً باندلاع حرب عالمية ثالثة وذلك بسبب الجدل والخلاف الذي شاب العلاقات بين إندونيسيا وهولندا حول أراضي ايريان الغربية الواقعة غربي جزيرة غينيا الجديدة. وقد شارك في هذا النزاع قوات البحرية السوفيتية الذين منعوا لمدة نصف قرن تقريباً من الحديث عن حيثيات مهمتهم في إندونيسيا.
وحتى منتصف القرن العشرين كانت إندونيسيا مستعمرة من قبل هولندا، ولكن بعد الحرب العالمية الثانية حاز الإندونيسيين على استقلالهم بفضل كفاحهم ونضالهم ضد المستعمرين. إلا أن الهولنديين أصروا على الاحتفاظ بجزء من أراضي إندونيسيا، والحديث يدور عن أراضي ايريان الغربية. وفي عام 1952 وطدت الحكومة الهولندية حقها في امتلاك هذه الأراضي عبر نص واضح وصريح في دستور البلاد. وهذا بالطبع أثار غضب إندونيسيا وبدأت روائح حرب مدمرة تلوح في الأفق. عندها قرر رئيس إندونيسيا سوكارنو شراء أسلحة متطورة من الولايات المتحدة، لكن الأخيرة رفضت رفضاً قاطعاً لأنها كانت حليفة لهولندا. في هذه الأثناء اضطر سوكارنو أن يتوجه إلى الاتحاد السوفيتي بطلبه هذا، وبعد أن درست موسكو الفوائد الجيوسياسية التي يمكن كسبها من التعاون مع إندونيسيا، بدأت بتقديم أحدث الدبابات والطائرات والسفن الحربية، وبفضل ذلك تحولت إندونيسيا إلى قوة هائلة. وفي عام 1962 بدأت القيادة العسكرية الإندونيسية بإعداد عملية لتحرير ايريان الغربية، ولكن لم يكونوا الهولنديون مستعدين لتقديم التنازل وذلك لأنهم شعروا بدعم عسكري من السفن الحربية الأمريكية والبريطانية التي كانت تبحر بالقرب من شواطئ غينيا الجديدة. وإدراكاً من أن إندونيسيا قد تتعرض لهجوم في أي لحظة قرر الاتحاد السوفيتي حماية حليفه الجديد.
وفي صيف عام 1962 وصلت 12 غواصة من أسطول المحيط الهادي السوفيتي إلى مدينة سورابايا الإندونيسية. وفي إطار جو محفوف بالسرية التامة تم رفع الأعلام الإندونيسي على سطح السفن وقام البحارة الروس بارتداء الزي الإندونيسي. وبحلول شهر آب/أغسطس لعام 1962 ظهر الضباط السوفيت على متن سفن الأسطول الإندونيسي. وفي المطارات العسكرية كان الطيارين السوفيت على أهبة الاستعداد. وعليه فإن تعداد المجموعة الضاربة السوفيتية بحسب بعض التقارير وصلت إلى 15 ألف شخص.
بدأت العملية العسكرية عندما قامت الغواصات بشغل أماكنهم قبالة سواحل ايريان الغربية. وبطبيعة الحال كان الأمريكيون يشكون في وجود الغواصات السوفيتية، حتى أن الأسطول السابع الأمريكي صرح بهذا الشأن قائلاً: "إن السفن الأمريكية مستعدة لمهاجمة أهداف تحت الماء". وقد تم نشر رسالة بعدة لغات بما فيها الروسية وبثها على موجات الإذاعة تقول: "هناك قراصنة بحارة روس تحت الماء قبالة ساحل ايريان الغربية". بالطبع كان ذلك بمثابة تحد، والاتحاد السوفيتي بدوره قبل هذا التحدي. وفي هذا الإطار صدر أمر قائد قوات البحرية السوفيتية الأدميرال سيرغي غورشكوف والذي نص على ما يلي: "ينبغي منذ الساعة الصفر والدقيقة الصفر من العاشر من شهر آب/أغسطس تدمير السفن الحربية التي تتواجد بالقرب من ايريان الغربية تحت أي علم كان". يشير هنا المراقبون إلى أن الجيوش كانت تستعد لمعركة طاحنة، في حين أن الدبلوماسيين كانوا يجرون مباحثات ومفاوضات استمرت لساعات عديدة. ولكن قبل بضعة ساعات من انتهاء المهلة نفذ صبر الهولنديين واستسلموا. وهم كانوا على علم أنه في حال اندلاع اشتباكات مع الاتحاد السوفيتي سوف تكون الأمور في غاية الخطورة. ولهذا انتهت الأزمة وأصبحت أراضي ايريان الغربية جزء لا يتجزأ من الأراضي الإندونيسية، وعادت الغواصات السوفيتية إلى مواقعها في الاتحاد السوفيتي واستقبلوا استقبال الأبطال.
وفي عام 2010 احتفلت إندونيسيا وروسيا بذكرى مرور 60 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية، وتحدث في هذه الأثناء قائد البحرية الإندونيسية تيجو إيدي بوردياتنو عن النصب الموجود في قاعدة سورابايا البحرية، والحديث هنا يدور عن إحدى الغواصات السوفيتية التي شاركت في تلك الحملة في سواحل ايريان الغربية، والتي تم منحها إلى الأسطول الإندونيسي بعد الانتصار السوفيتي السلمي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق